أنسنة يعلون, بقلم: راضي كريني
2014-01-21 20:39:37
في رسالة نشرت في صحيفة هآرتس، بعث بها منيب المصريّ، الفلسطينيّ النابلسيّ، عضو "مجموعة كسر الجمود"، إلى الجنرال يعلون، وزير الدفاع الإسرائيليّ، بعد أن ردّ على ثلاثة إسرائيليّين من أعضاء المجموعة الفلسطينيّة الإسرائيليّة المذكورة، كانوا قدّموا، باسم المجموعة، اقتراحًا يرمي إلى كسر الجمود السياسيّ و... قال يعلون لهم: لا تخدعوا أنفسكم، لا يوجد لنا شريك في الطرف الفلسطينيّ، يوافق على حلّ "دولتان لشعبين".
هذا، ما أدّى إلى أن يكتب منيب المصريّ  رسالته التي قال فيها: إنّ ردّ يعلون ذكّره بمحادثة جرت بينه وبين يتسحاق رابين، عندما كان رئيس الحكومة الإسرائيليّة في سنة 1983، (بعد الحرب التي شنّتها إسرائيل بقيادة بيجن وشارون على لبنان للقضاء على منظمة التحرير الفلسطينيّة، في سنة 1982... التي كان من نتائجها رحيل عرفات والفلسطينيّين إلى تونس...) يقول منيب المصريّ إنّه طلب من رابين أن يفاوض عرفات، لكنّه رفض التفاوض معه بأيّ شكل من الأشكال وردّ بحزم: لن أجلس معه على طاولة مفاوضات... ثمّ بعد عشر سنوات التقى المصريّ برابين بحضور عرفات، بعد توقيع اتّفاقيّة أوسلو؛ فطلب منه رابين أن لا يذكر المحادثة التي كانت بينهما أمام عرفات...
ويقول المصري ليعلون: إنّ مصدر تفاؤله؛ كون عبّاس كعرفات يقبل بإقامة الدولة الفلسطينيّة المستقلّة على 22% من أرض فلسطين التاريخيّة مقابل السلام...
وأنا اليوم أتساءل:
هل مهمّة الفلسطينيّ الأساس هي البحث عن أساس الضعف الإنسانيّ وسببه في أروقة الحكم والقيادة الإسرائيليّة، والعمل على أنسنتها؟!
إذا كان تحدّي الطفل الفلسطينيّ الأعزل لجندي الاحتلال الإسرائيليّ المدجّج بالسلاح والمدعوم مِن ... وهو تحدٍّ للإنسان الإسرائيليّ الضعيف والخامل الموجود تحت اللباس العسكريّ، لا يسهم في أنسنته؛ فكيف ستسهم رسالة منيب في أنسنة قائده؟!
هل بذل أصحاب الضمائر الحيّة الإسرائيليّون كلّ ما بوسعهم، كما بذل منيب، حتى يتخلّص مجتمعهم من كرهه للسلام وللآخر؟!
أنا لا أتّهم اليسار الصهيونيّ بإثارة الفاشيّة بين الأوساط الإسرائيليّة، لكنّني أتّهمه بأنّه لم يشرب كأس السلام المرّة أمام شعبه؛ عندما وكما شرب اليسار الفلسطينيّ الأمرّ منها أمام شعبه!
محمود عبّاس ومنيب المصريّ على صورة شعبهم الفلسطينيّ، يعترفان بميازين القوى السياسيّة والعسكريّة والاقتصاديّة المتحوّلة، وبالواقع الجديد الناشئ في المنطقة وفي العالم، ويعرفان حقّ المعرفة الثمن الباهظ الذي دفعه ويدفعه شعبهما الفلسطينيّ كنتيجة لهذه الميازين الجديدة، ولهذا الواقع المتنامي والمأساويّ!
وبالتالي، إنّ إنكار الجنرال الإسرائيليّ، وباقي قيادة المؤسّسة السياسيّة/العسكريّة الإسرائيليّة، عِظم الثمن الذي يدفعه عبّاس ومنيب المصريّ وقيادة منظّمة التحرير الفلسطينيّة، أيضا من منطلقات إنسانيّة علاوة على الحسابات السياسيّة، في الموافقة على شروط السلام المجحفة بحقّ شعبهم الفلسطينيّ، هو دلالة على وحشيّة المحتلّ، وعلى ضعفه وتخلّفه أمام إنسانيّة وسلميّة الفلسطينيّ الرازح تحت الاحتلال.
محمود عبّاس ومنيب المصريّ وقيادة منظّمة التحرير يدركون وجود أوساط فلسطينيّة، وهي ليست قليلة وساكنة، ترفض سيرورة الحلّ السلميّ الجارية، والتي تتمسّك بها منظّمة التحرير، وعملت على درء مخاطر المعارضة و"الولدنة" الفلسطينيّة، طالما كان هناك أمل بنجاح المبادرات والمسيرات السلميّة.
تكمن المشكلة في عدم التوصّل لحلّ سلميّ، في ضعف العامل المؤثّر على أنسنة قيادة وشعب إسرائيل؛ فرسالة منيب المصريّ هي محاولة، لكنّها غير كافية للتأثير على يعلون وأمثاله، كما أنّني أعتقد بأنّ الأسباب التي أدّت إلى "أنسنة" رابين في الماضي، لم تعد كافية لأنسنة يعلون اليوم.
ليس هناك حلول سحريّة، لم تجد الإنسانيّة حلاّ رادعًا للمخالِف وللمعتدي وللغاصب وللمشاغب وللمستهتر وللمضطهد و... وللمحتل غير التربية الإنسانيّة والكفاح العادل والعقاب من أجل مصلحة الطرفين: المظلوم والظالم.

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير
الاسم الكامل :
مكان الاقامة :
التعليق :
هام جدا : أدارة الموقع لا تنشر اي تعقيب فيه تجاوز لقانون القذف والتشهير, وتقع المسؤلية على كاتب التعقيب
Copyright © almadar.co.il 2010-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع المدار الاول في الشمال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت
X أغلق
X أغلق