تصريحات تنمّ عن كُره للدبلوماسيّة , راضي كريني
2013-11-26 13:41:28
لاقى الاتّفاق النوويّ، الذي أبرمته الدول الكبرى مع إيران، ترحيبًا عالميّا حارّا. وشذّ عنه الترحيب السعوديّ البارد واعتراض حكومة إسرائيل التي اعتبرته خطأ تاريخيّا... لم تستطع كلّ مِن الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا أن تعارض الخيار الدبلوماسيّ الذي طرحته كلّ من روسيا والصين لحلّ الأزمة، والذي وافقت عليه طهران، الداعي إلى وقف بعض أنشطة تخصيب اليورانيوم، لمدّة ستة أشهر، مقابل تخفيف بعض العقوبات الدوليّة المفروضة عليها.
لقد فهمت الإدارة الأمريكيّة أنّ اللهجة الصارمة وفرض العقوبات على إيران لا يفيدان سلامها المزعوم ولا يضمنان أمنها المصون، لا في الشرق الأوسط ولا في أيّ بقعة في العالم؛ فخضعت للواقع ولإملاء المصالح وسارت مرغمة مع الخيار الدبلوماسيّ، ولم تُغلق الباب في وجه الاقتراحات والحلول السلميّة للنزاعات.

هذا لا يعني أنّ الإدارة الأمريكيّة سوف "تقعد" مرتاحة على كنبة صالونها في الغرفة البنفسجيّة و"تتكتّف"؛ فبكلّ تأكيد سوف تبحث وستحاول وستهدّد بفرض عقوبات جديدة، لكنّها لن تستطيع أن تسقط من حساباتها الاتجاه الصحيح والسير مع الحلول الدبلوماسيّة ومع رفع العقوبات المفروضة على إيران بالتقنين وبالتقتير وبالتنغيص و.... لو أنّ إيران حصرت رؤيتها في النوويّ الإسرائيليّ فقط، لما وقّعت الاتفاق، ولشربت السمّ ولو كان مع الدسم الأوروبيّ.
يذكّرني الردّ الإيراني على تصريحات بنيامين نتنياهو-بيبي، رئيس حكومة إسرائل، بردّ وينستون تشرشل على ليدي أستور، المرأة الأولى في مجلس العموم البريطانيّ، التي قالت له: لو كنتُ زوجتك لوضعت لك السمّ في كأسك. فردّ عليها: لو كنتُ زوجك لشربْته برغبة!

تصريحات بيبي وجوقته تعبّر عن غضبهم وكرههم للحلول الدبلوماسيّة؛ فبيببي لم يخفِ رغبته في إيذاء ومعاقبة إيران، ويعد ويتوعّد باتّخاذ إجراءات كفيلة بإبقاء إيران دولة عاجزة ومتخلّفة وتابعة ومقيَّدة و...، و"يشدّ ظهره" بالسعوديّة التي لم تستطع أن تخفي كرهها لإيران وللحلّ الدبلوماسيّ الناعم، رغم ترحيبها الحذر باتّفاق جنيف، إذ اعتبرته خطوة أوّليّة نحو حلّ شامل للبرنامج النوويّ الإيرانيّ؛ إذا توفّرت حسن النوايا؛ هذه التصريحات تحمل في طيّاتها الكُره أكثر من الغضب.

كره بيبي المدموج بالغضب هو نتيجة لفشله في تخويف وإقناع العالم بأنّه قادر على العمل لوحده ضدّ إيران إذا لم يردعوه/يمسكوه عن ذلك؛ فأخذ يعرض عضلاته النوويّة، ويعلن ويبدي استعداده للقيام بأيّ عمل عدوانيّ، ليثبت أنّ بإمكانه أن يعاقب المثير لقلقه ولقلق أحبابه السعوديّين و... لكن تمّ التوقيع على الاتّفاق، هذا ما سيدفعه للتفتيش وملاحقة طريدة أخرى، ربّما فلسطينيّة، ليكشّر عن أنيابه، وليحقّق ذاته المريضة!

بينما التصريحات السعوديّة تنمّ عن كره الضعيف للقويّ؛ فالسعوديّة تشعر بضعفها وتعاني من عقدة الدون لعدم قدرتها على التأثير والحدّ من المدّ والنفوذ الإيرانيّ في المنطقة؛ لم تستطع التصريحات السعوديّة أن تغطّي وأن تخفي رغبتها الجامحة في إقصاء إيران وتدميرها لتتخلّص من قلقها وجُبنها لعجزها عن التأثير في الأحداث وفي تغيير مجرى التطوّر والنزوع نحو الحلول الدبلوماسيّة؛ فالعدول عن فكرة تدمير إيران، واستبدالها بقبولها والاعتراف بها كعضو نشط في المجتمع الدوليّ، بإمكانه أن يساعد في انهيار السياسة السعوديّة وفي أن تتحمّل إيران قسطًا وافرًا مِن المسؤوليّة في تجنيب العالم من المخاطر، وتخليصه من أسلحة الدمار الشامل، وفي إيجاد حلول دبلوماسيّة للمسائل الأمنيّة ولقضايا الصراع في المنطقة.

فمطالبة حكومة إسرائيل بالكفّ عن عرقلة الاتّفاق الذي أصبح واقعًا، وبالمشاركة في تطبيقه وتطويره، يجب أن لا تقتصر على الدول الموقّعة على الاتّفاق؛ بل هو من واجب المعارضة في البرلمان الإسرائيليّ كذلك؛ فواجبها الرئيس أن توقف دفع الحكومة الإسرائيليّة، بعكس رغبة ومساعي المجتمع الدوليّ السلميّة.
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير
الاسم الكامل :
مكان الاقامة :
التعليق :
هام جدا : أدارة الموقع لا تنشر اي تعقيب فيه تجاوز لقانون القذف والتشهير, وتقع المسؤلية على كاتب التعقيب
Copyright © almadar.co.il 2010-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع المدار الاول في الشمال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت
X أغلق
X أغلق