الليالي العَشر المباركة والانتخابات المحلية!!!
2013-10-05 00:01:49

منير فرّو
قال تعالى:"ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم" صدق رب العزة.
 مع اني انسان لا ارغب في تعاطي السياسة الزمنية ولست ممن يتاجر بها، ولا احبذ خلطها بالدين والقيم الروحانية، لأنها في واد والدين في واد، ولكن من منطلق الغيرة على ابناء مجتمعنا وجلدتنا في كل قرانا، ومن منطلق المسؤولية والأمانة، في حفظ الاهل والأخوة، والتوجيه الصحيح، لان كما قيل في المثل الشعبي : " الدار اذا خليت بليت"، وكما جاء في الحديث النبوي الشريف: " كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته"، وكما قال تعالى : " وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ان اكرمكم عند الله اتقاكم" .
  فقبل ان اتكلم عن الليالي المباركة، لا بد من التطرق الى ما تمر به قرانا في هذه الفترة التي تتصادف مع تلك الليالي والعيد، وهي الانتخابات للسلطات المحلية والتي يصادف تاريخها 22/10/2013 أي فترة عطلة عيد الاضحى، والتي لا تخلو من مشاكل ومناوشات كلامية وجسدية وهي الان اخطر من سابقاتها لوجود تقنيات التواصل الاجتماعية الالكترونية كالفيسبوك وتويتر والانترنيت وغيرها الكثير ممن اسمع عنها ولا اعرف استعمالها، والتي من خلالها تصل الكلمة بسرعة الضوء وبالصوت والصورة مما يؤجج الوضع ويزيده تعكيرا فيما اذا تم استعماله بالتشهير والسب والقذف وصناعة الصور وتركيبها عن طريق الفوتوشوب لخلق بلبلة وشقاق وتفرقة وإهانات وفضائح وطعن وتعيير وتعييب واستهزاء ومساخر وهزليات الخ من المس في مشاعر الناس وخصوصياتهم وأعراضهم، والعاقل من يسعى الى التخفيف منها بقلبه ولسانه وقلمه وبنانه، ويجعل لها مطبات كالمطبات في الشوارع للتخفيف من السرعة وبالتالي الاقلال من حوادث الطرق، التي باتت السبب الاول في الوفيات عالميا وتفوق القتل في الحروب، ومرحلة الانتخابات تصحى الناس وتنام عليها، منذ انتخاب رئيس السلطة الى الانتخاب التالي مدة 4-5 سنوات ويبلغ اوجها وذروتها في الاشهر الاخيرة ما قبل الانتخابات، حتى باتت الانتخابات مثل الهواء والماء والغذاء للجسد، تتصارع الناس فيها  كصراع الروح مع الموت، فتكثر المشاحنات والتفرقات والاختلافات، مما ادخل التمزق في العائلات وحتى البيوت والاسرة، متناسيين اننا ابناء عشيرة واحدة، ويجب ان يكون هدفنا واحد نحو التقدم  الى الافضل مع ضرورة الاحترام المتبادل، خصوصا ونحن اقلية تعيش في دولة عنصرية، تريد ان ترانا متنازعين ومتخلفين ثقافيا واجتماعيا واقتصاديا دون تطور ولا تطوير، ومما نلمسه ان اغلب مشاكلنا تأتي من قبل مؤسسات الدولة التي تنتهج معنا سياسة مجحفة لغرض في نفس يعقوب، فمهما بدلنا رؤساء سلطات فسينصدم كل منهم بسد منيع دون تحقيق ما وعد المواطنين من تقدم وتحقيق الاهداف، فيتحلفون له باسقاطه عن الكرسي وحتى طرده دون اعزاز ولا كرامة ودون البحث عن اسباب فشله المحتوم، فلا تريد توسيع خرائط قرانا وتوصيلها بالكهرباء عمدا فكيف الخدمات الاخرى؟ فحدث ولا حرج، لاعتقادها بأرض اسرائيل الكبرى ملك خاص للشعب اليهودي بزعمهم ان يهوه وعدهم بها  في التوراة على لسان ابي الانبياء ابراهيم الخليل عليه السلام بقوله : " ووعده قائلاً: ‘‘وأعطي لك ولنسلك من بعدك أرض غربتك، كل أرض كنعان، ملكاً أبدياً!" وابراهيم لم يكن اسرائيليا، ولم يكن بنو اسرائيل اصلا موجودين، وان ابراهيم جاء لكل الاممين ومنه انتشت الانبياء، واذا كان هذا الوعد حقا لبني اسرائيل الذي هو الشعب المختار عند رب العالمين بإعمالهم الصالحة والنوايا الطيبة والإحسان الى الناس وإتباع الاوامر والانتهاء عن النواهي والالتزام بالوصايا العشر واتباع الانبياء والرسل الذين بعثهم الله بعد موسى عليه السلام، والابتعاد عن الربا والاحتكار التجاري وحب الذات ونشر المحبة والألفة والسلام بين الشعوب، فهذا الوعد فقط يتحقق بمجيء المسيح يوم القيامة وليس الان، لان الديانات جميعها وعدت الامة المختارة بوراثة الارض بقوله تعالى : " يرث الارض عبادي الصالحين"، فلذلك كل الاجحافات للسلطات المحلية الغير يهودية نابعة من منهجية المؤسسة الاسرائيلية المتعنصرة والرجعية والمتقوقعة بأفكار بالية قد اكل الدهر عليها وشرب ولا تتماشى مع عصرنا الفكري المتحضر ولا تزيدهم إلا كراهية من قبل الشعوب الاخرى.
 وأيضا الرقي في المعنى الحقيقي لنظام الانتخابات الديمقراطي، الذي يأتي وفق القدرات الحقيقية للمرشح ومكانته الاجتماعية، خاصة في ظل مجتمع ما زال محافظا نوعا ما في ظل الحريات والعولمة والعلمانية والراسمالية،  وايضا مع تقييم الفترة التي تصادف فيها الانتخابات، وهي ليالي العشر المباركة التي يجب ان يكون فيها محاسبة الانسان لنفسه على ما قدم من خير او شر، وان يتذكر فيها يوم الحساب الاكبر للخلق، ويوم حشرهم بين يدي الخالق،  ونشر اعمالهم  الخيرة والشريرة على مسمع البشرية، والمناداة بالسعادة الابدية او التعاسة الابدية التي لا استئناف عليها الى ابد الدهر، التي قال تعالى عنها : " يوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتني  اتخذت مع الرسول سبيلا يا ويلتي ليتني لم اتخذ فلانا خليلا لقد أضلني عن الذكر"، وايضا : " وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيل "، وأيضا عيد الاضحى المبارك اعاده الله علينا جميعا بالمسرة وهداوة البال والتفكر في معناه انه التضحية من اجل الاخرين، وليس ان نجعلهم ضحية او كبش فداء للمنتخَبين والمنتخِبين.
 ان الانتخابات عندنا تأخذ مسارا مغايرا عن نظام الديمقراطية وهي حرية الراي واحترام ذلك الراي، لان العصبية القبلية الجاهلية ما زالت مسيطرة عليها بالرغم من تأثرنا بالحضارة والفكر الغربي، وأيضا مفهوم المعنى الانتخابي عندنا يختلف عن الغرب، لأنه عندنا يعتبر زعامة ومخترة وجاه، وفي الغرب ادارة مؤسسة ورقي نحو الافضل وتطبيق النظام من اجل راحة الانسان، وعندنا يحاكمون الشخص بدافع المصلحة الذاتية الضيقة والانتقام القبلي العاطفي لا العقلاني والمصلحة العامة،  فيجعلون من الاخطاء الصغيرة   كبيرة كتكبير المجهر للكائنات المجهرية التي لا ترى بالعين المجردة، دون الاخذ بالنسب المئوية لما قدمه الرئيس المنتخب، وفي الغرب يقيمونه وفق الانجازات ونسب النجاح لما فيه مصلحة المجتمع عامة ولا يخلو من بعض المصالح من اجل التدقيق.
ومن هنا ومن منطلق وحدة الصف، والسعي نحو مجتمع افضل اخلاقيا، تربويا، اجتماعيا، ثقافيا، اقتصاديا وسياسيا، يفهم مرام السياسة التي هي في الحقيقة يجب ان تكون اشرف المعاملات والمنهجيات، فكيف لنا ان نطالب برفع مستوى المجتمع اخلاقيا وتربويا ونحن نتعاطى السياسة الجارحة واللاخلاقية؟ وكاننا نتوافق مع النظام الرأسمالي المهيمن، الذي يأخذ شعارا يتلائم ونظام الغاب : "الغاية تبرر الوسيلة".
 فأرجو لأبناء مجتمعي في كل القرى عامة والكرمل خاصة داليتي، ومن كل الطوائف دون تفرقة، التعقل والرزانة والمسؤولية، والنظر بجدية الى عواقب الامور، ولأننا بالتالي هم من يقطف ثمارها ايجابا ام سلبا، والاهم والتوحد امام السلطة في تحقيق المطالب لأنها الاول والخير في ذلك، ولتكن انتخابات في منتهى الرياضة والدعابة، مع الحظ الاوفر للخاسر، لأنه لا بد من ربح وخسارة، وأحيانا الخسارة تكون اسلم من الربح، ولا ننسى ابدا ان "الانتخابات يوم وقريتنا دوم" فانتخابات هادئة ومرحلة رائقة .
واما بالنسبة لجوهر الموضوع وهو ليالي العشر، فالعيد يصادف يوم الثلاثاء بتاريخ 15/10/2012 أعاده الله على الجميع بالخير والبركات، وعليه اول ليالي العشر يوم السبت الموافق لـ 5/10/2012، تقبل الله فيها الصلوات والدعوات، والهم الشباب والفتيات، الصغار منهم والصغيرات، والكبار والكبيرات، إلى حسن السلوك والتوبات، فالزمان قد ولى وفات، ولم يبقى منه إلا أيام وسويعات، فتيقظوا قبل الفوات .
 قال تعالى : " والفجر وليال عشر"، وأيضا يقول تعالى : " ويذكروا اسم الله في أيام معلومات "، وقال تعالى أيضا : " ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ "، و قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما من أيام أعظم عند الله سبحانه ولا أحب إليه العمل فيهن من هذه الأيام العشر. يعني العشر الأوائل من ذي الحجة، فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد"  صدق الله ورسوله .
إن الليالي العشر هم عشرة أيام من شهر ذي الحجة، وهو الشهر الثاني عشر من السنة القمرية أو التقويم الهجري، المبني على دوران القمر كما الأشهر الميلادية على دوران الشمس، وهذه العشرة أيام التي تسبق عيد الأضحى المبارك، الذي يحتفل فيه الدروز والمسلمين في كافة أرجاء المعمورة، وهي أيامً مباركة وتسمّى "ليالي العشر الفضيلة" ويتخلل أيام العشر يوم "الوقفه الصغيره" ويوم "الوقفه الكبيره" تيمنا بوقوف الحجاج على جبل عرفات تذكيرا بوقفة البرايا أمام باريها يوم الحساب.
وعيد الأضحى هو إحياء لتضحية سيدنا إبراهيم الخليل بابنه عليهما السلام ليمتحنه الله بإيمانه، فلما وجدهما صادقين راضيين مسلمين افتداه الله بكبش ومن هناك جاءت التضحية من الأضحى، وما أجمل من يضحي بنفسه في سبيل خالقه وهو القربان العظيم والجهاد الحقيقي الأكبر، كما جاء عن لسان الرسول الكريم  المصطفى صلى الله عليه وعلى اله وسلم بعد أن عاد من إحدى غزواته منصورا : " رجعنا  من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر"، وكان قد أعنى بالجهاد الأكبر جهاد النفس في مرضاة باريها وتطهيرها من دنس الشهوات والرذائل، فلا شيء اعز على الباري من عبد يتقرب إليه بنفسه راضيا مرضيا .  
وفي ذات الموقع، قام سيدنا إبراهيم الخليل عليه السلام بترميم البيت، الذي بناه سيدنا ادم عليه السلام ليكون بيتا تحجه الناس، وبقي هذا البيت سنين طويلة محجة للناس، حتى مجيء الإسلام فصار ركنا في الإسلام، وله مناسكه وقوانينه، ومن خلال هذه العشرة أيام تتم فيها مناسك الحج إلى بيت الحرام أو البيت العتيق في مكة المشرفة ويتم الطواف حول الحجر الأسود  وفي اليوم التاسع يكون يوم عرفة ووقفة عرفات أو ما يسمى بيوم الحج الأكبر، ويكون اليوم العاشر من ذي الحجة أول أيام عيد الأضحى المبارك، حيث ينحر حجاج بيت الله الحرام الاكباش لتوزع على الفقراء والمساكين لتكون نفقة وتضحية لقوله تعالى : " فصلّ لربك وانحر إن شانئك هو الابتر" وأيضا : "لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون".
إن عيد الأضحى لدى الموحدين الدروز يذكرهم في يوم القيامة ومحاسبة الله للخلق كافة على أعمالهم،  من حسنات وسيئات، حيث ترى الناس من كل حدب ينسلون وعلى ربهم يعرضون، يقفون متضرعين، وكف الضراعة باسطين ومبتهلين متوسلين أن يتقبل منهم صلاتهم وان يشملهم برحمته، لذلك يعطي الدروز لهذا العيد قيمة كبرى، كونه يمثل يوم القيامة ويوم الحساب ويوم الجزاء للثواب والعقاب، ويعتبرون العشر الليالي التي تسبقه مناسبة عظيمة لمحاسبة النفس والوقوف على مدى التقصير والضعف وإهمال الطاعات والرجوع إلى الخالق بالمغفرة والاستغفار واستشعار يوم الحساب والخوف من النار،  فيؤمون بيوت العبادة زرافات زرافات لأداء الصلوات والابتهالات للعلي القدير أن يجعلهم من جملة من يحظون برضوانه وغفرانه، ويأتي أيضا من الزمنيين الذين لم تعقد التوبة في قلوبهم لسماع الوعظ والإرشاد والتراتيل لتتغذ نفوسهم بالشيء القليل من علم الدين. 
  لذلك الليالي العشر معناها الرجوع إلى المعرفة اليقينية والتقرب من الله بصالح الأعمال، والامتناع عن كل ما يغضب الله وأنبياءه، والابتعاد عن المعاصي والسيئات صغيرها وكبيرها، واجتثاث الشر من القلب وتطهيره من فكر السوء وأيضا عمل الحسنات ومساعدة الفقراء والمحتاجين والإكثار من عمل الخير والمعروف ومساعدة الغير بالإضافة إلى زيارة الأقارب وأفراد العائلة والأصدقاء وأيضا الحذر في الطرقات لاكتظاظها بالسير في مثل هذه الأوقات، والابتعاد عن إيذاء الناس بالمفرقعات والسرقات، وإصلاح ما فسد بين الإنسان وخالقه والإنسان وأخيه ليكون محاسبة كلية، وعلى كل واحد منا أن يصفح عن أخيه ليصفح عنه خالقه، كما جاء في حديث السيد افلاطون الحكيم : "عليك بشيئين تذكرهما وشيئين تنساهما، الذي تذكرهما إحسان الناس إليك واسائتك للناس، والذي تنساهما إساءة الناس إليك وإحسانك للناس"، فإذا فعل كل واحد منا بهذه المقولة لسقط من بيننا البغض والكره وذهبت من بيننا العداوات.
وأخيرا نفسي قبل ان أدعوكم أهلني وخلاني وأخوتي وأخواتي: أن تُحاسِبوا نفوسَكم قبل أن تُحاسَبوا، وان ترجعوا إلى طريق الهداية والنور قبل أن يأتيكم : " يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم " وأيضا قبل أن : "يعض الظالم على يديه  يقول يا ليتني  اتخذت مع الرسول سبيلا يا ويلتي ليتني لم اتخذ فلانا خليلا لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني وكان الشيطان للإنسان خذولا " وأيضا قبل أن يقول احدنا : " يا ليتني مت قبل هذا و كنت نسيا منسيا " وأيضا قبل أن يقول الكافر: " يا ليتني كنت ترابا" .
إخواني تفكروا في هذه الآيات واتعظوا منها ولا تسخروا منها لقوله تعالى : " فذلك يومئذ يوم عسير على الكافرين غير يسير" وأيضا : " وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد ".
 جعلني الله وإياكم ممن يتقرب إليه بخالص الأعمال، وحسن النوايا والسجايا والخلال، ونزع من صدورنا الغل والأحقاد، وبصّرنا بعيوب أنفسنا وألهمنا في هذه الأيام وكل الأيام إلى التوبة والإنابة، وغفر لنا ما تقدم وما تأخر من الذنوب والأوزار، انه ولي ذلك ، جعلها الله أياما مباركة مليئة بالروحانيات وصفاء النيات، وتقبل منا التوبات، وكل عام والجميع بألف خير والانتخابات تمر على خير بخير ونكرر "الانتخابات يوم والبلد دوم" .     
 

 

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير
الاسم الكامل :
مكان الاقامة :
التعليق :
هام جدا : أدارة الموقع لا تنشر اي تعقيب فيه تجاوز لقانون القذف والتشهير, وتقع المسؤلية على كاتب التعقيب
Copyright © almadar.co.il 2010-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع المدار الاول في الشمال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت
X أغلق
X أغلق