مصر قادرة على تجاوز المِحن.. الخوري ابراهيم داود
2013-08-26 10:56:19
لم يكن بخاطري أن أتعرض بالكتابة ، لما تمرّ بِهِ أرض الكنانة في هذه الحقبة العصيبة من الزمن!... لكني، كمن يعشقها منذ الشباب، لم أستطع إلاّ أن أكتب لها، وأكتب عنها، خصوصاً في ما تختبره وتعيشه من آلام مخاض شديدة!.. نعم! عزيزة عليّ وغالية هي أرض مصر وسكانها. فقد تفتّحت عيوني على محبّتها، ونشأتُ، كأبناء جيلي، قريباً إلى فكرها وفنّها، وتماهَيْتُ مع مواقفها الوطنية وكرامتها، خصوصاً في الحقبة الناصرية المجيدة... وأومن من أعماق أعماقي، أن هذه الغالية مُقبِلةٌ على ميلاد جديد. فهي قادرة على تجاوز التجارب والمِحَن، واجتراح العجائب والقيامة!...
***
بعض الأحِبّاء في مصر:
 أحببتُ وأُحِبّ جمال عبد الناصر، الحيّ الباقي في وجداني، ووجدان الملايين إلى الأبد.. وأحببتُ، وما زلتُ أُحِبّ نيل مصر  وآثارها وحضارتها والإصلاحَ الزراعي. أحبُّها مِن أبي سنبل، والسد العالي، وبُحيْرة ناصر، إلى الجامع الأزهر، وأديرة الصحراء وجامعة القاهرة، ومكتبة الإسكندرية، والواحات.. وأُحِبّ عمالقةَ الدين والفن والأدب فيها، قداسةَ البابا المُتَنَيّح شنودة الثالث ، وفضيلة شيخ الأزهر، أحمد الطيّب، الجزيل الاحترام، وقداسة البابا تواضروس الثاني بطريرك الكرازة المرقسية، أطال الله عمرَيْهما، ومحمد حسنين هيكل، ومحمد عبد الوهاب، وأم كلثوم، وسيد درويش، ونجيب محفوظ، ويوسف ادريس، وتوفيق الحكيم، والدكتور مجدي يعقوب، وأحمد فؤاد نجم والشيخ إمام، وعبد الرحمن الأبنودي، وفاروق شوشة، وآمال فهمي، و "على الناصية"، وشعبَ مصر كلِّهِ، من النوبة والصعيد، إلى الإسكندرية والدلتا وبور سعيد...
***


مصر والولايات المتحدة الأميركية:
1.   مصر بلد مِحْوَرِيّ، ليس في الشرق الأوسط أو بين الدول العربية فحسْب، بل على المستوى العالمي أيضاً... وبما أنها كذلك، فإنّ دولةً عظمى كالولايات المتحدة الأميركية، الدولة الأغنى والأقوى، التي لا تُحرّكها إلاّ مصالحها وأطماعها الاقتصادية، ورغبتها الاستراتيجية في الهيمنة على الدول التي ترى أنها تخدم هذه المصالح والأطماع ، تسعى بأية وسيلة تجدها، هي، مناسِبة، كي لا تتحرّر هذه الدول من قبضتها، أو كيْ لا تخرج من دائرة  الدوران في فلكها!.. ومصر واحدةٌ من هذه الدول...

2.    ومِن الطبيعي جداً أن تحاول الإدارة الأمريكية، بكل ما أوتِيَتْ من قوة وحنكةٍ وتأثير، مع أنه لا ينقصها الغباء أيضاً ، أن تُغَطّيَ مآربَها الخاصة، وسعيَها للهيمنة، بادّعاء حِرصِها الشديد على "الديموقراطية"، و "حقوق الإنسان"، أو على "السلام العالمي"، لتُقنِعَ، كلَّ معارضة ممكنة داخل بلادها أولاً، ثم في أروقة الأممَ المتحدة ومجلس الأمن، و الدول الأوروبية... بَيْدَ أنها،  حتى لو لم تنجح في تجنيد كثيرين إلى جانبها، فإنها لا تتردّد في استخدام أية وسيلة، لوحدها، أو تكتفي بشركائها التقليديين، مثل بريطانيا وكندا وتركيا واستراليا وغيرها...

3.   ففي فيتنام مثلاً، تورطت أمريكا بحرب دامية ما زالت آثارها السيّئة على المجتمع الأميركي باقيةً إلى اليوم، لأنها كانت مصمّمة على إبقاء دولتَيْ فيتنام منفصلتيْن، خوفاً من التأثير الشيوعي الشمالي، "غير الديموقراطي" على الجنوب "الديوقراطي"... استخدمت أميركا جميع أنواع الأسلحة التي تمتلكها، وكانت النتيجة أن فيتنام الشمالية وثوّار الفيتكونغ، دخلوا إلى الجنوبية، وأعادوا توحيد بلادهم!...

4.   وفي أفغانستان، سال لُعاب أميركا أمام ما توصّل إليه علماؤها، أن هذا البلد، إلى جانب كونه غنياً بالنفط، فإنه يحتوي على كميات هائلة من المعادن المتنوعة، تُقَدَّر بترليون دولار!.. {بحثتُ في Google، أدام الله معرفته، فوجدت أن الترليون يساوي مليون مليون، ويُكتب هكذا:1.000.000.000.000 – (1 وأمامه اثنا عشر صفراً!)}... ووجدتُ أيضاً، أن غزارةَ هذا اللُّعاب، دَفَعَتْ أميركا إلى البحث عن موطئ قدم هناك!.. فبدأوا بمساعدة حركات المعارضة في أفغانستان، قبل ستة أشهر من بدء التدخّل السوفياتي هناك، كما ذكر روبرت غيتس، مدير C.I.A  في مذكراته، "من الظلال"!!... أميركا هذه، التي كانت تتحيّن الفرَص لشن هجوم على أفغانستان، وفّرَتْها لها "القاعدة"،ّ سيّئة الذِّكْر ، وزعيمها آنذاك أسامة بن لادن، بعملها الإرهابي الفظيع في 11 سبتمبر2001... فسارعت أميركا لتوجيه أصابع الاتهام إلى طالِبان وبن لادن، بحيث  بدا للجميع أن هذه الاتهامات قد أُعِدَّت سلفاً!!

5.   أميركا متورّطة للآن في أفغانستان: خزانتهم تتكلّف سنويّاً أكثر من مئة مليون دولار.الجيش الأفغاني ضعيف أمام الطالبان، وحكومة صديقهم الحميم كرازاي، تضم مجموعة من المتورطين في أعمال النهب والفساد!.. ورغم أن أميركا تمكنت من قتل بن لادن، إلاّ أنها، على عكس رغبة حلفائها الأوروبيين، تقول: إن مقتل بن لادن لا يعطي مُبرِّراً للانسحاب الكامل، فالإرهاب الدولي لا يزال يشكّل خطراً مباشراً على استقرار العالم!.. أما الحقيقة فهي ، أن أميركا صديقة للحكام الفاسدين، تدافع عنهم، وتحارب لأجل بقائهم في السلطة، لكي تضمن هي بقاءها فترة أطول، الأمر الذي يمَكِّنُها من تحقيق جشعها وأطماعها في البلد الغني بالنفط والثروات المعدنية ، بذريعة "الحفاظ على استقرار العالم من خطر الإرهابيين"!!...

6.   أما ذريعتها في العراق النازف دماً وطائفيّةً وتهجيراً، فقد كانت، "امتلاك هذا البلد لأسلحة الدَّمار الشامل، والإمكانات الصاروخية البالستيّة"!!..ولهذا فقد قرّرت أميركا وحلفاؤها غزو العراق، وتدمير نظام صدام حسين، وإقامة "نظام ديموقراطي" هناك!... لم تعثر أميركا ولا حلفاؤها ولا خبراء الأمم المتحدة على أي أثر لهذه الأسلحة!!... ومع هذا، فقد دُمِّر العراق اجتماعيّاً وحضاريّاً واقتصاديّاً، لأن تطلّعاته إلى التصنيع، أقلقت أميركا الخائفة على مصادر الطاقة في المنطقة، فهي أكبر مستهلك للطاقة، وأينما وجد النفط، فأميركا موجودة!... كذلك، فإنّ السياسة الغربية بزعامة الولايات المتحدة، تهدف إلى كسر أيّة قوة اقتصادية عربية... (العدوان الثلاثي على مصر وتعطيل قنال السويس كمصدر اقتصادي هام، من سنة1956، وإلى ما بعد 1973 )!...


الولايات المتحدة، ومصر في عهد الرئيس جمال عبد الناصر:
7.     وفي ما يتعلّق بجمهورية مصر العربية، فإنّ على رأس اهتمامات الولايات المتحدة، كان وما زال، سلامة وأمن إسرائيل صديقتها وحليفتها غير المُتَنازَعة، وطبعاً، حصر كل عملية تنمية اقتصادية لدى العرب، بما يتفق مع أهداف ومرامي أميركا والغرب!..  ولما كان على رأس مصر زعيمٌ بقيمة وقامة عبد الناصر(1952-1970)، فإنّ الولايات المتحدة ظلّت قلِقةً ومتوترة!.. لكنها، لم تحاول أن تتخلّص منه  بالأسلوب الذي اعتمدَتْهُ مع غيره من الزعماء العرب ومن زعماء أمريكا اللاتينية! فعبد الناصر، الزعيم الكارزماتي الحقيقي، يختلف عن غيره كثيراً... مع ذلك فقد أوعزت لبعض عملائها أن يحاولوا اغتياله، فحاولوا ذلك بإطلاق الرصاص عليه عام 1954 ، غير أنه نجا ولم يُصَبْ. وتبيّن، بعد إلقاء القبض على الفاعل أنّه، ينتمي إلى الإخوان المسلمين!...بعد هذه المحاولة الدنيئة، ساءت العلاقات كثيراً بين ثورة 23 يوليو وقائدها من ناحية، وبين جماعة الإخوان من ناحية أخرى، واعتُقِل عدد كبير منهم ، كذلك تمّ إعدام بعض القيادات، من بينهم سيد قطب،عام 1966...
8. حاولت أميركا أيضاً التودّد إلى عبد الناصر، والسعيَ إلى أعتابه، كأسلوب آخر لاحتوائه!..ومع هذا فقد ظل الغباء ملازماً لتصرفاتها: أشغَلَتْ مصر وزعيمَها مدّة طويلة بخصوص إمكانية تمويل بناء السد العالي مع بريطانيا وصندوق النقد الدولي! الشروط التي وضعتها لهذا التمويل، كانت مُذِلّةً للغاية، من حيث المَسّ بالسيادة والإرادة المصرية، والضغط عليها ماديّاً ومعنوياً. وكان من الطبيعي أن يرفض عبد الناصر هذه الشروط. بالمقابل سحبتْ أميركا وبريطانيا عرضَهما المُهين!...وكان رد مصر على هذه الغطرسة الأميركية، إعلان عبد الناصر تأميم شركة قنال السويس شركة مساهمة مصرية، في 26.07.1956، الأمر الذي اتخذه الاستعمار الغربي ذريعة للعدوان الثلاثي الغاشم... ورغم هذا ، فقد بُنيَ السدّ بتمويل من الاتحاد السوفياتي، وأنشَد المصريون والعرب وأنا منهم ، بملء الحناجر، وبكل فرح وَتَحَدٍّ وعنفوان:                                                              
        ُقلْنا حَنِبني وَدِه احنا بنينا          السد العالي !                                                                          
        يا استعمار بَنيناه بأيدينــا          السد العالي !            


محمد أنور السادات:
                       بتاريخ 28.09.1970 توفي الرئيس جمال عبد الناصر، أو قتلَهُ العرب، كما يرى الشاعر الكبير نزار قباني، في قصيدته "قتلناك"، وتولّى بعده محمّد أنور السادات، منصب الرئاسة... توصّل السادات إلى أن 90% من أوراق اللعبة في يد أميركا!...وقبيل حرب اكتوبر 1973، طرد الخبراء الروس من بلاده، وادّعى البعض أن هذا العمل، كان من جُملة عمليات التمويه التي سبقت الحرب. هذه الحرب اعتُبِرت مفصَلاً هاماً في تاريخ العسكرية العربية، وأعادت للجيش المصري ثقته بنفسه وبقدرته. فقد تمكّن من تحرير قنال السويس، وإعادة الملاحة فيها، وتحرير جزء من سيناء... داخلياً، وعد السادات بتبني سياسة مصالحة مع القوى السياسية المصرية، فأغلق السجون والمعتقلات، وأعطى مساحة من الحرية لجميع القوى السياسية، بما في ذلك تنظيمات الإسلام السياسي... غير أن هذه لم تستمرّ طويلاً، لا سيّما بعد توقيع معاهدة كامب ديفيد عام1977، مع إسرائيل... ففي السادس من أكتوبر 1981، اغتال الملازم أول خالد الإسلامبولي، أحد الجنود الذين اشتركوا في العرض العسكري بمناسبة ذكرى حرب أكتوبر، والذي كان ينتمي لتنظيم من الإسلام السياسي، الرئيس أنور السادات، وانتقل الحكم بعدها لمحمد حسني مبارك.


محمد حسني مبارك:
 حكمَ مصر مدة 30 سنة، وتميّز عهده بتوثيق العلاقات مع أميركا، حتى أنه كان ينفّذ كل ما ترتئيه هذه لبلاده والمنطقة!... في بداية حكمه، اتبع سياسة المهادنة مع مُختَلف القوى السياسية، بما في ذلك، الإخوان...غير أنّ نظرةً ثاقبة إلى نهجه في الداخل توضِح، أنه انتهج أسلوب المراوغة السياسية مع الإخوان بالذات، فكان كما أرادت له أميركا أن يفعل، يحاول أن يبدو متشدّداً معهم، بينما يغازلهم في الخفاء. يخوضون الانتخابات البرلمانية، فيحصلون على عدد كبير من النوّاب، رغم ادعائهم بأنه حدث تزوير!...كذلك كان مبارك من حين لآخر، وبشكل موسمي، يأمر بالقبض على مجموعات وأفراد منهم، ومصادرة أموال وأجهزة خاصة بهم، وغلق شركات ومحال تجارية مملوكة لهم!. كل هذا كان، كما يقولون في بلادنا، "على عينَك يا تاجر"!... أضف إلى ذلك، فقد استمرّ في عهده تحكيم القبضة، وتعميق حالة الفقر والفاقة والأمراض الخطيرة، في ملايين المصريين البسطاء، الذين يعيشون في "العشوائيات" والمقابر، والعشش والمساجد!... ثلاثون سنة بكاملها، لم يسعَ مبارك ونظامُهُ إلاّ إلى تعميق هذه الأوضاع المُزرِيَة، وإلى استشراء الفساد في الحُكم، والدَّوْس على كرامة مصر وأبنائها، حتى تظلّ كما تريدها أميركا أن تكون: ضعيفةً اقتصادياً واجتماعياً، فيُشترى كل واحد من هذه الملايين البائسة الجائعة، كما حدث في الانتخابات الرئاسية بعد ثورة يناير 2012، بِرُزمَةٍ تحتوي على كمية من الزيت والسكر والأرُز والسجائر، وبعض المعلّبات منتهية الصلاحية، وربما مائة أو مائتَي جنيه مصري، وفوق الكل، أسم المُرَشّح الذي سيوصلهم إلى الجَنّة!...


ثورة 25 يناير،2011، والانتخابات الرئاسية:
 ثار شعب مصر على حسني مبارك ونظامه، وأسقطَهُ إلى غير رجعة بعد 14 يوماً من المظاهرات... ووجد الإخوان، مع شركائهم في التخطيط والتطلّعات، أن الفرصة للوصول إلى الحكم مؤاتية. فشاركوا في المظاهرات بعد أيام من حدوثها! ثم دخلوا الحكومة التي أدار شئونها المجلس العسكري الأعلى.. ولم يكن، ربّما، لدى أي فرد من أفراد شعب مصر، نِيَّةٌ لإقصائهم أو التخلّص منهم... لقد رأَوْا فيهم شركاء وإخوة لخدمة الشعب والوطن، بل أن الكثيرين تعاطفوا معهم، لظنّهم أن مبارك قد ظلمهم!... بدأ التحضير للانتخابات، وبدأ تحضير الرُّزَم الغذائية. وعلى ذمة بعض المتابعين للأحداث من رجال الإعلام، قام وفد رفيع المستوى من الإخوان، بين جولتَيْ الانتخابات الرئاسية، ضَمَّ نحو 30 من القادة، بزيارة للولايات المتحدة للتشاور.. ثمّ نشط النشطاء في استخدام الدين ترغيباً وترهيباً بين أفراد شعب متديّن، يُحِب دينه، ويحترم شيوخه...


محمد مرسي و"تمرّد"   
 جرت الانتخابات الرئاسية، وفاز الدكتور محمد مرسي العَيّاط رئيساً لجمهورية مصر العربية، الأمر الذي أدخل الفرحة في نفوس كل الذين كانوا حينها في ميدان التحرير، لا سِيَّما أنّ منافسَهُ في الجولة الثانية، أحمد شفيق، كان محسوباً على "فلول" مبارك!...( أُطلِقَ هذا التعبير أصلاً على الإخوان بعد محاولتهم اغتيال عبد الناصر العام 1954)!... أعطى مرسي في خطابه الأول يوم 30 يونيو-حزيران1912 انطباعاً أنه رئيسٌ لكل المصريين... وأثار هذا الخطاب إعجاب هؤلاء وزاد من توقّعاتهم وفرحهم... غير أن تطورات الأوضاع في مصر، كشفت أن الرئيس مرسي يهتم بالأساس أن يكون رئيساً للإخوان فقط، وأنه يسعى، بتوجيهات المرشد العام للإخوان، إلى تسليط هؤلاء على كل المرافق، أي إلى ما دعاه المصريون،"أَخْوَنَةِ الدولة"!. وبدا أنّ مصرَ، كَوَطَنْ، لا تعنيه ، وأن أبناء مصر المختلفين عنه في الدين لا يروقون له مُطلَقاً، في أبسط تعبير!... لأجل هذا، وبسبب خـيـبة الأمل والإحـبــاط، كثرت ونشطت حركات المعارضة، وبرزت بينهم حركة "تمرُّد" الشبابية، التي انطلقت من ميدان التحرير، يوم الجمعة بتاريخ 26.04.13 ، بقيادة الصحفي الشاب محمود بدر(28 سنة) المُنَسِّق العام لهذه الحركة، وتمكنوا من جمع تواقيع 22 مليون مصري، كما قالوا، لسحب الثقة من الرئيس مرسي، وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة!!..لكن الرئيس ومعاونيه رفضوا هذه المطالب. لذلك خرج  ملايين المصريين في اعتصامات سلمية في الميادين بتشجيع من حركة تمرّد، وبالمقابل اعتصم مؤيّدو مرسي في ميدان رابعة العدوية والنهضة يطالبون بعودته إلى سُدّة الرئاسة!.. لقد دفعت هذه الاحتجاجات العنيفة، جيش مصر بقيادة الفريق عبد الفتاح السيسي، وزير الدفاع، والقائد العام للقوات المسلحة، إلى إعطاء الفرقاء المُهلة مرتين للتوافق، لكنهم لم يصلوا. وبدا، كما جاء في بيان الفريق السيسي من01.07.13، "أن الأمن القومي معرّض لخطر شديد.. وأن الشعب المصري الكريم عانى ولم يجد مَن يرفق به أو يحنو عليه، الأمر الذي يُلقي بعبء أخلاقيّ ونفسيّ على القوات المسلحة...". وفي الثالث من تموز، أعلِن عن عزل الرئيس مرسي ، والتحفّظ عليه في أحد المرافق العسكرية السرية.


نكهةٌ ناصرية:
منذ اللحظة الأولى لعزل مرسي، أعلنت أميركا، وردّدت في أعقابها دول أوروبية عديدة، أن ما أقدم عليه الجيش، هو انقلاب عسكريّ، وأن عزل مرسي مناهض للشرعية!. ثم هددّت بإيقاف المساعدة المالية العسكرية لمصر، وأعلن أوباما إلغاء التدريبات العسكرية المشتركة مع الجيش المصري!...وما أعاد إلى النفوس بعض الشعور بالكرامة الوطنية، الناصريةِ النكهة، هو موقف الحكومة الانتقالية المصرية، وموقف الشعب المصري من هذه التهديدات الأميركية. مصر ترفض بشدّة أي نوع من التدخل في شئونها الداخلية!! كذلك كان موقف السعودية المؤيد لمصر، والداعم لها مادياً، إلى جانب دول وإمارات الخليج الأخرى، عدا الإمارة العميلة قطر، موقفاً مشجّعا ومفاجئاً. إنني أتمنى فعلاً أن لا يكون في موقف السعودية أيّ وجه من وجوه التنسيق مع أميركا!!، والتفتيش عن "المصالحة" مع مصر، بعد أن استنفدت أميركا جميع وسائل الصراخ عن "الشرعية"، و"الإنقلاب"... فماذا تنتظر بعد؟...
***


التصرف الدموي بعد فضّ الاعتصام في ميدان رابعة والنهضة:
يبدو أن سرعة سيطرة قوى الأمن على أماكن وجود واعتصام مؤيّدي الرئيس مرسي، قد أذهلتهم وأغضبتهم، خاصةً وأن قياداتهم قد هربت واختبأت، وأن الآلاف من "المُجَنَّدين المُعتصمين" مقابل مائتَيْ جنيه يوميّاً، قد هَرْوَلوا منسحبين مع نسائهم من ميدان رابعة في الطريق الآمن الذي حَدَّدَتْهُ قوات الأمن...فكانت ردود أفعال الإخوان عنيفة ، دمويّة، وذات أبعاد وأهداف خطيرة!...أما هم فيقولون: إنهم تعرّضوا "لمجازر" ارتكبتها قوى الأمن أثناء فض الاعتصام، لذلك فإن كل عمل دموي قاموا به، إنْ هو إلاّ ردّ فعل على هذه "المجازر"!...
·       كثّفَ الإرهابيون، هجماتهم الدموية في سيناء، وبلغت ذروة هذه الجرائم، إعدام 25 شرطيّ شاب، قيّدوا أيديهم وقتلوهم!... كذلك تكررت العمليات الإرهابية ضد قوى الأمن                 والجيش يومياً، ربما لإشغال هذه القوى في سيناء، بعيداً عن القاهرة ومراكز المدن!...أحد قادة الإخوان الذين كانوا معتصمين في ميدان رابعة العدوية، البلتاجي، صرّح مراراً أنه          إذا أعيد الرئيس مرسي إلى رئاسته، فإن سيناء تهدأ خلال خمس دقائق!!  ماذا يعني هذا الكلام؟!
·       هوجمت وأحرقت عدّة مراكز للشرطة، وفي بعضها قُتِلت عناصر هذه المراكز وضبّاطها، ومُثِّلَ في جُثثهم، كما حدث في كِرداسة وأسوان!!... الهدف من وراء هذه الهجمات                 البربرية، إلى جانب إثارة الرعب وترويع الناس، هو إشغال الشرطة ومنعها عن القيام بواجبها لحماية الناس، حتى يتمكن البرابرة من نفث سمومهم وأحقادهم...
·       إقتحام عشرات الكنائس، وسرقتها وحرق البعض منها بالكامل، وترويع أبنائها وقُسُسِها. كذلك تحطيم وإتلاف وسرقة العديد من المنشآت الكنسية التربوية...
·       الاعتداء الهمجيّ على المستشفى القبطي والعيادات والصيدليات وغيرها من ممتلكات المسيحيين، خصوصاً في قرى الصعيد!
·       عدم تمكين الإطفائيات، وسيارات الإسعاف من الوصول إلى أماكن الحرائق، لإسعاف المصابين، وإخماد الحرائق!
·       وفوق كل هذه الموبقات والجرائم وأقذرها، كان تهديدهم بحرق مصر كلّها!!

أين هؤلاء من الإسلام؟!  
هؤلاء الحاقدون ، لم يخجلوا، وهم يقترفون جرائمهم، من الزَّعيق بالتكبير والتهليل، ليوحوا أنهم إنما يُقدِمون على هذه الكبائر والفظائع، بدافع إيمانهم وإسلامهم!!
الإسلام الحنيف، أيها المنافقون، يقول:" إن استعمال القتل والترويع في الأعمال التخريبية، يُسمّى بِ"الحرابة". وهي إفسادٌ في الأرض وفساد. وفاعلها يستحق عقوبةً أقسى من عقوبات القاتل والسارق والزاني. لأن جريمته منهجٌ يتحرّك فيه صاحبُهُ ضد المجتمع".
  لقد ترك الإسلام الناس على أديانهم، وسمح لهم بممارسة طقوسهم في دور عبادتهم، وضمن لهم سلامة دور العبادة، وأولى بها عناية خاصة، فحرَّم الاعتداء بكافة أشكاله عليها... وما ورد في سورة الحج(40-41) من القرآن الكريم، ما يؤكّد حِرْصَ الإسلام على حفظ  دور العبادة، من الصوامع(مصليات الرهبان) والبيَع(كُنُس اليهود) والصلوات(الكنائس) والمساجد(مساجد المسلمين)،التي يُذكر فيها اسم الله..
 أما الرسول العربي الأمين، عليه الصلاة والسلام، فقد كتب لأسقف بني الحارث بن كعب وأساقفة نجران، وكهنتهم ورهبانهم ومَن تبِعهم، يقول:" إن لهم على ما تحت أيديهم من قليل وكثير مِن بِيَعِهم وصلواتهم ورهبانيتهم، وجوار الله ورسوله، ألاّ يُغَيَّر أسقفٌ عن أسقفيته، ولا راهب عن رهبانيته، ولا كاهنٌ عن كهانته، ولا يُغيَّر حقٌّ من حقوقهم، ولا سلطان ولا شيء مما كانوا عليه...غير مُثْقَلين بظُلمٍ ولا ظالمين"... 
هل تعرفون الآن، أيها الأغبياء، سموَّ الإسلام ونقاءه وسماحتَه؟!
إذا كنتم على استعداد أن تتركوا جانباً ما لٌقّنَكُم  تجّارُ، أو بالحري، فُجّار الدين، فاقرأوا إذاً العُهدةَ العُمَريّة، عهدة الخليفة عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، لبطريرك وسكان القدس، واللد وأهل وفلسطين أجمعين...وعودوا لعهد أبي عبيدة الجراح لأهل بعلبك وحمص وحلب، وعهد خالد بن الوليد لأهل دمشق، واسمعوا رسول الله يقول:
"ألا مَن ظَلَمَ مُعاهَداً أو انتقَصَهُ، أو كلّفَهُ فوق طاقته، أو أخذ منه شيئاً بغير طِيبِ نَفْسٍ، فأنا حجيجُهُ،أي خصمُهُ، يوم القيامة"... صدق رسول الله!
إنني أخشى، أن يكون ما تقومون به، هو جزءٌ أو كلٌّ من الدَّوْرِ المَنوطِ  بكم تجاه بلادكم ومواطنيكم، والذي رُسِمَ وخُطِّطَ له في أميركا، التي لا تستطيع أن تنال من مصر- وطنِكم – ومثوى آبائكم وأجدادكم، ومستقبل أبنائكم وأحفادكم، إلاّ بواسطة عملائها!...فبئسَ الدور الذي تلعبون، وبئس المال الحرام الذي تقبضون!!... أفيقوا من سُباتِكم. وحرّكوا ضمائرَكم. وتوبوا، فالله يُحب التائبين...
***

وختـامـاً:
فإنني أبوس الأرض محبّةً واحتراماً، تحت نِعال الإخوة المسلمين الذين شاهدناهم، أو الذين لم نشاهدهم، يحمون بأجسادهم كنائس الله، في قرى الصعيد ومراكزه، ضد هجمات البرابرة. وأقول لهم: لقد تصرفتم بقوّة من عند الله، وبفضل إيمانكم بالقيَم الروحية الإسلامية الحنيفة، ودافعتم عن هذه القيم أمام مَن لا يهمهم المس بدينهم أو بوطنهم ومواطنيهم!...هؤلاء لم يضعوا الله أمامهم، ولا يعترفون بوطن!... بارككم الله، وكَثَّر مِن أمثالكم، وعوّض محبّتكم وتعبكم بالخير لكم ولأسَرِكم ولمصر الكنانة الحبيبة بجميع مواطنيها... اللّهم، آمين!
ولعلّي لا أطلب المستحيل، إذا تمنيت أن نشهد ذلك اليوم، الذي يطمَئِنَّ فيه المسيحيون والمسلمون وكل المواطنين في مصر وغيرها من بلاد العرب على حياتهم ومعابدهم وبيوتهم وممتلكاتهم، ولا يكونون بحاجة إلى حماية أحد، سوى الله... ليس ما أتمناه مستحيلاً أو صعب المنال! إنه متوفر في العديد من الدول المتحضّرة، أمّا نحن الذين ندّعي بأننا أصحاب ومُصَدّرو الحضارة، فيبدو أحياناً كثيرة فِعلاً، أننا "لبسنا قشرةَ الحضارة، والروحُ جاهلية"!
***

 كذلك، أُكْبِرُ وأُثمّنُ بكامل المحبة والاحترام، موقف الكنيسة المصرية القبطية، وسائر الكنائس المصرية، التي علّمَتْ مَن لا يعلم، من هم حقيقةً عملاءُ أميركا، وعلمت من لا يعلم أيضاً، أن محبة مصر، والحرصَ على الوحدة الوطنية، ووأد بذور الفتنة الطائفية، ورفضَ كل تدخّل خارجي في شئون الوطن، هي في صميم إيمانها ومعتَقَدِها... "إذا حرقتم الكنائس، سنصلي في الجوامع، وإذا حرقتم الجوامع، سنصلي في الكنائس، وإذا حرقتم الكنائس والجوامع، سنصلي في الشوارع مع بعض، وِوِسْطِ بعض. أصلِ إحنا مصريين"! يقول قداسة البابا تواضروس، أطال الله عمره، وسدّد في البِرّ والحِكمة خُطاه...  
***

 وأخيرأً، كم أدعو الله، جلّت قدرتُه، أن يعطيَنا الرغبةَ الحقيقية، لنهتديَ بِهَدْيِهِ، ونسعى لتمجيده، وإعلاء كلمتِهِ بالموعظة الحسنة، بعيداً عن المنافع السياسية الحزبية، ودون أن نلطّخ صلواتِنا بالدّماء  والدَّمار والترويع... عندها سيحترم كل الناس أديانَنا، ويسود العدل والخير بلادنا...


المراجع:
للتأكّد من بعض التفاصيل في هذا المقال، قمتُ بالاستعانة بموقعَيْ:
1. ويكيبيديا – الموسوعة الحرة
2. دار الإفتاء المصرية- الرقم المسلسل 3520 (تحريم الاعتداء على الكنائس)

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير
الاسم الكامل :
مكان الاقامة :
التعليق :
هام جدا : أدارة الموقع لا تنشر اي تعقيب فيه تجاوز لقانون القذف والتشهير, وتقع المسؤلية على كاتب التعقيب
Copyright © almadar.co.il 2010-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع المدار الاول في الشمال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت
X أغلق
X أغلق