بعث بنيامين نتنياهو/بيبي، رئيس حكومة إسرائيل، برسالة مباشرة (بدون واسطة المبعوث مارتن إندك) إلى جون كيري وزير خارجيّة الولايات المتّحدة، راعية المفاوضات، يتّهم فيها الرئيس الفلسطينيّ محمود عبّاس بالتحريض ضدّ إسرائيل.
 يحتجّ بيبي في الرسالة على هتافات وغناء مشجّعي فريق كرة القدم الفلسطينيّ أثناء لعبه مع فريق برشلونة، وعلى أقوال بعض المذيعين والصحفيّين في وسائل الأعلام الفلسطينيّة، وعلى تصريحات محمود عباس الداعية إلى كنس الاحتلال والمحتلّين من دولة فلسطين المستقلّة في المستقبل، ويخلص بيبي ويحذّر في رسالته إلى كيري: "السلام والتحريض لا يسيران جنبا إلى جنب"!
ذكّرتني "فهلويّة" بيبي بقصة مزبّد والوالي.
قبض الحرّاس على مزبّد لأنّه يحمل زقّا، وساقوه إلى والي المدينة؛ فأمر بضربه، فسأله: لمَ تضربني؟
أجاب الوالي: لأنّه معك آلة الخمر.
قال: وأنت –أعزّك الله- معك آلة الزنى!
تصريحات أبو مازن معرقلة للمفاوضات! أمّا توسيع المستوطنات، وتكثيف الاستيطان، وتهويد القدس وضواحيها، أثناء المفاوضات، وعدم وقف المداهمات واقتحام البيوت في نابلس والخليل و... والاعتقال، والتنكيل، والتعذيب، والقتل، و... وتشديد الحصار، بجميع أشكاله، وإهانات الحواجز، و... وتشجيع الاستيطان بتخفيض الضرائب وتكاليف المعيشة في المستوطنات، ويهوديّة الدولة، وتصريحات وزير الاقتصاد بأنّ الضفّة الغربيّة تعود بملكيّتها إلى الشعب اليهوديّ، وتفاخره بقتل الكثير من العرب، فكلّها دافعة لتقدّم المفاوضات ومن أجل السلام!
ليُضرب الفلسطينيّ؛ لأنّه يملك إرادة وعزيمة ومشروع سلام ودولة و... ولأنّه يفتقر للدعم العربيّ، وليكافأ بيبي وليطلق التهم والأوامر على هواه؛ لأنّه يملك آلة الحرب والعدوان، والبطش والاحتلال، و... ولأنّه يلقى الدعم والمساندة من أمريكا وحلفائها العربان!
من الطبيعيّ أن تتدفّق الأموال والمساعدات على حكومة إسرائيل؛ لأنّ عبّاس يحرّض على السلام ويعترف بالخطّ الأخضر، ولأنّ بيبي يحرّض على الاحتلال ويرسم الخطّ الأحمر!
يحتجّ صائب عريقات، كبير! المفاوضين الفلسطينيّين، ويشير إلى إمكانيّة وقف/تعليق/تجميد/تأجيل/... المفاوضات، إذا استمرّت إسرائيل بخرق التفاهمات، وبتوسيع المستوطنات والبناء فيها!
عظيم أنت يا عريقات، لكن ...
لكن مَن الذي وافق، أو باللغة الدبلوماسيّة التي يستعملها عريقات، مَن الذي توصّل إلى تفاهمات مع كيري وبيبي على بناء 1200 وحدة سكنيّة جديدة أثناء المفاوضات، في الكتل الاستيطانيّة والقدس (أورشليم) ، مقابل إطلاق سراح 104 معتقل فلسطيني من سجون الاحتلال؟!
للحقيقة وللتاريخ، لم يتزحزح بيبي عن معتقداته ومواقفه وسياسته وعن فلسفة حياته و... قيد أنملة، هكذا عرفنا بيبي وهكذا سيكون في اتهاماته وتصريحاته وأعماله و... أمّا أنتم -أعزّكم الله- لماذا وافقتم/تفاهمتم/... على بناء 1200 وحدة سكنيّة استيطانيّة جديدة في الكتل الاستيطانيّة والقدس، مقابل إطلاق سراح 104 أسرى؟!
هل فاجأكم بيبي بتقديم خرائط وبرامج استيطانيّة إضافيّة؟!
هل فاجأكم بيبي بمطالبته بنقل بعض الأسرى المحرّرين إلى قطاع غزّة، أو إلى الخارج؟!
هل فاجأكم بيبي بنقضه للتفاهمات التي توصّلتم إليها، وبتماديه في ترسيخ الاحتلال؟!
ملّ الشعب الفلسطينيّ من هذه المهازل ومن هكذا مفاجآت و...، وليس من قبيل الصدفة، أن يزدهر الاحتلال بكلّ مكوناته، عبر تراخي المقاومة الفلسطينيّة واستفحال الانقسام والتراجع عن الهيئات الدوليّة. هذا الواقع الذي يفرض القيود الشديدة والكبيرة على المخيلة الجماعيّة للفلسطينيّين، والذي يحدّ من قدرة الشعب الفلسطينيّ على استحضار بدائل لروتين المفاوضات ولمقاومة الاحتلال والقمع والتوسّع!
بالرغم من كلّ الصعوبات، على القيادة الفلسطينيّة أن تطوّر التوجّه للهيئات الدوليّة، وفي الوقت ذاته أن تعمّم مقاومة بلعين ونعلين للاحتلال في الشوارع والساحات، التي غلّبت بعض الإسرائيليّين على مخاوفهم، وجذبتهم للتضامن والتعبير عن فسحة الأمل والحياة في ظلّ السلام.