العميل إكس والعالِم واي بقلم اليف صباغ
2013-02-16 23:03:37

تتشعب الاخبار التي تتحدث عن عميل الموساد إكس وتشبع وسائل الاعلام، تدريجيا، بمعلومات عنه، وإن لا تخلو التقارير الاخبارية والتحليلات من اسئلة هامة بقيت أجوبتها طي الكتمان، وقد تبقى كذلك لزمن طويل. لكن، بغض النظر عن التفاصيل المنشورة لغاية الآن، لا بد من الانتباه الى أمرين هامين ابرزتهما هذه المعلومات: الاول، وهو التعرف او التيقن من أهمية الجواسيس في الصراعات الاقليمية أو الدولية، والاساليب او الاشكال المستخدمة، وخاصة من قبل الموساد، لتحقيق أهداف من ارسلهم. ثانيا، الانتباه الى تلك الاسئلة التي ما تزال بحاجة الى أجوبة مقنعة، ومن هنا يحق لنا ان نسأل، اذا كان هذا ما نعرفه عن مصير العميل x ، فما هو مصيرالعالم المخطوف y  ؟
يجدر بنا التذكير ايضا ان المعلومات المنشورة تأتي بعضها نتيجة التحقيقات الصحفية، واخرى نتيجة الثرثرة وتسرب المعلومات الى جهات غير رسمية، وبعضها الاخر يأتي في قنوات التسريب المقصود، ولهذا التسريب دوافعه واهدافه وقد يعكس صراعات داخل الاجهزة او فيما بينها او حتى بين حكومات وزعماء دول.

للموضوعية، فالجاسوسية نشاط رافق العمل السياسي والتجاري والعسكري منذ القدم، وما يزال، وسيبقى يرافق ذلك. ويشهد التاريخ ادوارا للجواسيس غيرت العالم، منها ما كُشِف ومنها ما لم يكشف، وأشهر الجواسيس المعروفين في التاريخ الحديث هو ريتشارد سورج، جاسوس الاتحاد السوفييتي الذي عمل في اليابان إبان الحرب العالمية الثانية، وكان صديقا للراقصة اليابانية كيومي، وهي جاسوسة يابانية ايضا، فقام، بما حصل عليه من معلومات، باعلام القادة السوفييت ان اليابان لن تهاجم الجيش الاحمر على جبهة سيبيريا في الوقت الذي كان الجيش الاحمر منهمكا في معركة قاسية مقابل القوات النازية، مما سمح للسوفييت بتوجيه اكثر من 2 مليون جندي من جبهة سيبيريا الى الجبهة الالمانية فانقلبت موازين القوى واندحرت القوات النازية وتغيير مسار الحرب ونهايتها المعروفة.
معلوم ان الجاسوسية تطور ادوات عملها، طبقا للتطور العلمي والتكنولوجي ايضا، وتحتل الاعمال التجارية والتكنولوجيا الالكترونية اليوم أهم ادوات العمل المستخدمة، ولم يعد خاف على أحد ان الموساد يقيم شركات وهمية وغير وهمية في أماكن مختلفة في العالم للتجارة بالسلاح والمعدات الالكترونية المتطورة، وهذا المعدات ليست للاستخدام العسكري فقط بل يمكن ان تكون للاستخدام المدني، الطبي او الزراعي او الاعلامي او أي شيء آخر، وكل ذلك بهدف الوصول الى الاشخاص المطلوبين او جمع المعلومات عن هذه الدولة او تلك او تجنيد العملاء او دعم حركات وتنظيمات، وهكذا تعمل عدة دول غربية وعلى رأسها امريكا. بعض هذا المعلومات تستخدم للتجارة بها، أي لمقايضتها، مع منظمة او دولة او شركة دولية او ما شابه، وبعضها الآخر يستخدم لابتزاز هذا الحاكم او ذاك، واخرى لا بد ان تتحول الى ادوات هامة للتحرك الامني والقيام بعمليات اغتيال او ملاحقة، او ترويج بضاعة في الاسواق الدولية او محاربة شركة او شركات كبرى منافسة على ان يصب كل هذا الجهد في مصلحة الدولة الفاعلة، وفي اسرائيل، كما هو معروف، يخضع كل شيء للسؤال الاهم، ما هي مصلحة اسرائيل؟ او ما هي مصلحة اليهود؟
لم يعد خاف ايضا، ان الموساد الاسرائيلي يستخدم جوازات سفر مزدوجة، اجنبية واسرائيلية، بعلم وتنسيق كامل مع تلك الدول او الاجهزة الامنية فيها، ليقوم عملاء الموساد الاسرائيليين بنشاطهم تحت اسماء اجنبية مستعارة وبجوازات سفر اجنبية، وقد يكون للعميل عدة جوازات سفر باسماء مختلفة، وقد اثبتت المعلومات المتوفرة من حادثة العميل إكس، أي بن زيغير او بن الون او بن ألن، وحادثة اغتيال محمود المبحوح في الامارات، وحوادث اخرى ضُبِط خلالها عملاء الموساد في قبرص وسويسرا وعمان وأماكن اخرى، انهم يعملون بجوازات سفر اوروبية واسترالية وكندية ونيوزيلاندية وكذلك أمريكية، بهدف الوصول الى الاماكن والمعلومات المطلوبة والاشخاص المطلوب اغتيالهم. لكن الأهم، في هذا الامر بالذات، هو ان جوازات السفر ليست مزورة، كما تروج وسائل الاعلام،  بل يتم استصدارها من الدولة المعنية بمعرفة تامة من قبل اجهزة المخابرات المختصة فيها، أي انهم يعلمون بوجود جواز سفر مزدوج للشخص المعني، ويعلمون انه يحمل جواز سفر اسرائيلي وانه خدم في الجيش الاسرائيلي ايضا، وفي حالة العميل إكس تفيد المعلومات الاسترالية ان المدعو بن زيغير تقدم بطلب ثلاثة جوازات سفر استرالية تحت اسماء مختلفة وان دائرة اصدار جوازات السفر أعلمت جهاز المخابرات الاسترالي بذلك، ولم تقم أي جهة بمنعه من حمل الجوازات المختلفة. فهل يستطيع فلسطيني في استراليا من حمل اكثر من جواز سفر واحد؟  اضافة الى استخدام جوازات السفر الاجنبية  يبرز التعاون الدولي العملياتي مع جهاز الموساد لتنفيذ عملياته، وقد علق احد الصحافيين الاسرائيليين على ذلك قبل عدة سنوات بقوله: إن قوة الموساد تعكس مدى التعاون الدولي معه، وبقدر ما تتماهى هذه الدول مع السياسية الاسرائيلية او تعارضها تسمح لهذا التعاون ان يتم او تمنعه. وليس صدفة ان غالبية الفضائح التي وقع فيها عملاء الموساد كانت في فترات حكم بيبي نتانياهو وتذمر الدول الصديقة لاسرائيل من سياسته. من هنا يجب ان نفهم ان اسطورة الموساد تكمن في التعاون الدولي مع اسرائيل، وتتقزم هذه الاسطورة بدون هذا التعاون. 
الاسئلة المفتوحة...
بالرغم من كل المعلومات التي نُشرت عن العميل إكس، والاستنتاجات التي يمكن الوصول اليها من هذه التجربة وما سبقها في تاريخ فضائح الموساد، الا ان الاسئلة التي لم تلقَ اجوبة بعد أكثر أهمية ومنها، كيف يمكن ان يقوم العميل إكس "بشنق" نفسه كما تقول بعض وسائل الاعلام الاسرائيلية، او "بالموت خنقا" او اختناقا، كما تفيد تقارير معهد التشريح الطبي في اسرائيل، وهو موجود في زنزانه نظيفة من أي وسيلة يمكن استخدامها لشنق ان خنق نفسه، ومرصودة بكل الكاميرات الضرورية لمراقبة تحركه على مدار الساعة، وبمجسات قادرة ان تراقب نسبة الاكسجين في رئتي الأسير وحتى نسبة التعرّق على جسمه؟ هذا عدا المراقبة البشرية التي يفترض ان تتابع هذه الاجهزة؟ إم ان أجهزة الانذار هذه تعطلت كلها في لحظة الحقيقة كما تعطلت اجهزة الانذار في سيارات الحريري قبل ساعة من استشهاده؟  والسؤال المرافق، كيف يمكن ان يقوم الاسير إكس بالانتحار بعد يومين فقط من مقابلة المحامي افيغدور فلدمان الذي جالسه لمدة ساعتين على الاقل، وتبع ذلك مفاوضات لانهاء القضية بصفقة قانونية ولائحة اتهام ترضي الطرفين؟  اليست مقابلة المحامي والتفاوض على صفقة أمرين كافيين لخروج الاسير من حالته النفسية المتأزمة التي كانت يمكن ان تقوده الى الانتحار؟ وليس العكس؟ واذا تتبعنا ما قالة أحد كبار رجال المخابرات في اسرائيل للصحفي الاسترالي، في التقرير المطول، من انه "لو عُلِمَ ما يعلمه بن زيغير وما قام به لكان الامر سيشكل خطرا على اسرائيل كدولة".!!!! واو...أئِلى هذا الحد؟ هل يمكن ان نفهم من ذلك ان "انتحار" عميل الموساد كان أمرا لا بد منه، وان أي صفقة تنقذه من هذا المصير كانت ستحسب، لاحقا، خطأ استراتيجيا للموساد؟
اسئلة من نوع أخر تنتظر الاجوبة ايضا. لم يستطع التقرير الاسترالي الربط بين نشاط العميل إكس وعملية اغتيال المبحوح التي شارك بها اربعة عملاء من حملة الجوازات الاسترالية، كما لم يستطع التقرير ربط نشاط العميل إكس بعمليات الاغتيال التي حصلت لعلماء ايرانيين في ايران واماكن أخرى، مع العلم ان إكس اعتاد السفر الى ايران وسوريا ولبنان بحكم عمله في الشركة الوهمية التي تتاجر بالاجهزة التي تحتاجها ايران لمشروعها النووي، فهل كانت اسرائيل على معرفة بمستوى النشاط النووي الايراني من خلال توفير الاجهزة والعتاد المطلوب لها  بواسطة شركات الموساد الوهمية؟ اسمح لنفسي ان اتساءل...  ولم يستطع التقرير ان يربط بين العميل إكس والعالِم الايراني ، علي اشغري (العالم واي في العنوان اعلاه)، الذي اختُطِفَ من فندقه في اسطنبول ومعه، وفق المعلومات التي نشرت في اسرائيل، حقيبة طافحة بالوثائق عن المشروع النووي الايراني، خاصة وان معلومات غير رسمية هنا تؤكد ان العالم الايراني، علي اشغري، موجود في احدى السجون السرية في اسرائيل. فهل يقوم اعضاء الكنيست باستجواب الوزير المسؤول عن ذلك؟ وهل تقوم الجهات الاعلامية الاسرائيلية وغير الاسرائيلية بواجبها لكشف الحقائق او نشر ما تعرفه عن الحقائق المخفية في عتمات السجون السرية؟ وهل تقوم جهات دولية حقوقية، رسمية او غير رسمية، بالتحقيق في ممارسات الموساد على مر السنين من خطف وإغتيال وابتزاز وما الى ذلك؟ 

اليف صباغ
مدونة حيفا برس
البقيعة 16.2.2013

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير
الاسم الكامل :
مكان الاقامة :
التعليق :
هام جدا : أدارة الموقع لا تنشر اي تعقيب فيه تجاوز لقانون القذف والتشهير, وتقع المسؤلية على كاتب التعقيب
Copyright © almadar.co.il 2010-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع المدار الاول في الشمال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت
X أغلق
X أغلق