تلخيص نتائج الانتخابات البرلمانية بين العرب (1)الأرقام تتحدث، فاصغوا إليها...
2013-02-09 12:48:11

سميح غنادري

مبروك "للموحدة" (الإسلامية والعربية للتغيير) و"للجبهة"، و"للتجمع"، ولنا جميعا كناخبين، على محافظة القوائم الوطنية الثلاث بأحزابها على تمثيلها في "الكنيست" – 11 عضوا مع فائض للأصوات. يعود الفضل الأساسي في هذا لشعبنا الذي انتصر على لامبالاته وإحباطه، وحتى على غضبه واستيائه من الأداء البرلماني لبعض نوابه ولترشيحات قوائمه، ولعدم خوض الأحزاب الوطنية الفاعلة بين الجماهير العربية للانتخابات في قائمة مشتركة واحدة أو بقائمتين، وقام برفع نسبة تصويته. بدون هذا لم يكن بإمكان قوائمنا المحافظة على تمثيلها. لكن المحافظة على التمثيل العددي، لا تعني انتصارا ولا حتى نجاحا كان مأمولاً. علماً بأن القوائم الثلاث كانت قد أكدت عشية الانتخابات أن كلاً منها سيحصل على عضو إضافي.

البطاقة الصفراء...
على نفسها جنت "براقش" –(أحزاب)- الانتخابات وعلينا. إذ راوحت نتائجها مكانها تمثيليا – عدد نواب ونسبة أصوات، رغم ارتفاع عدد أصحاب حق الاقتراع ونسبة التصويت بالمقارنة مع نتائج الانتخابات السابقة سنة 2009. لم يعاقبها شعبنا، كما توعّد، بل استجاب لنداءاتها برفع نسبة تصويته في آخر أربع ساعات سبقت إغلاق صناديق الاقتراع. لبّى الناس طلب أحزابهم منهم في "دبّة الصوت" المشتركة والمحمومة أن هلمّوا للتصويت. وكان من الظريف مشاهدة هذه "الوحدة" التظاهرية الفجائية لالتقاء الأخضر بالأحمر بالبرتقالي – إسلامية جبهوية تجمعية. أربع سنوات بين انتخابات وأخرى، وأربعون ألف نداء وجّهها شعبنا لأحزابه أن توحّدوا... لم تفد. لكن أربع ساعات من الخطر كانت كافية "ليتوحّدوا" – خطابا انتخابيا، لا خيارا سياسيا مبدئيا ينشده شعب أصبح أقلية قومية في وطنه، وكان مطلوبا قبل موعد الانتخابات.
أخشى ما أخشاة ألاّ تذوّت أحزابنا العبرة مما حدث، وأن تعتبر المحافظة على تمثيلها بمثابة "صك" غفران يخوّلها مواصلة نهجها القديم إياه، وكأننا يا بدور لا رُحنا ولا جينا. لكننا رحنا وجينا وتغيّرنا تركيبة اجتماعية وثقافية وتطلعات ومتطلبات. فقط أحزابنا لم تتغيّر وتتجدد فكريا ونهج عمل وتركيبة، فأعطاها شعبنا مهلة أخرى. لكن الشعب – يا أحزابنا – يُمهل ولا يُهمل. لا نتنكر بهذا لنشاط أحزابنا عموما في تمثيل قضايانا، ولا لنشطائها الميدانيين في التفاني في العمل لتسخين حملة انتخابية كانت الأبرد منذ عقود. وعلى هذا يستحق النشطاء كل التقدير.
 يتقن بعض قادة أحزابنا، وبعض كتبتهم، إغداق فيض من التقييمات الإيجابية لنتيجة الانتخابات تتراوح بين "الرضا" و"النجاح" و"تجديد الثقة" و"الإنجاز" و"الافتخار" و"الانتصار"... إلخ. لا بأس. لكن ما زال شعبنا ينتظر البيان الذي لم يُكتب ولم يُلق بعد. بيان تصدره أحزاب القوائم الثلاث معاً، أو كل منها على حدة، تتحدث فيه عن حساب ذاتي تجريه لأنفسها، وعن نقد لأخطاء في مواقفها وأدائها البرلماني ونهج عملها وتعاملها... الذي أوصلنا إلى هذا المأزق من ثقة القاعدة بطليعتها السياسية المنظمة. بيان تتحمل فيه الأحزاب المسؤولية عما مضى، وتعد فيه بأن تقوم بدراسة معمّقة لأسباب المراوحة في المكان، وعدم إحداث قفزة في التمثيل البرلماني كان من المواتي إحداثها. بيان يعيد الثقة والأمل لهذا الشعب المنكوب المحبط ويقوم على أساس التعامل مع شعبنا ليس "كمخزن أصوات"، وإنما على أساس كون الأحزاب هي "الصوت" الذي يملكه، فإما تعبّر عنه أو يعبُرها.
 أشبّه ما حدث عشية وخلال هذه الانتخابات، بإخراج حَكَم المباراة الرياضية للبطاقة الصفراء لبعض اللاعبين. فإما أن يرتدعوا، أو يخرجهم من الملعب. هذا مع الاستدراك بأننا لا نساوي بين كل الأحزاب، ولا حتى بين القادة المسؤولين وأعضاء البرلمان من الحزب نفسه، في المسؤولية عمّا حدث من زعزعة ثقة الناس بأحزابها. لكننا لا نحرّر أيا منها ومنهم من قسطه في المسؤولية.

علم الجراحة...
دراسة "الأرقام" التي أفرزتها الانتخابات ليست عملية ميكانيكية بسيطة تخصّ عالم "الكم" فقط. وإنما هي عملية جدلية مركبة تتطلب الأخذ بعين الاعتبار الظروف والأجواء العامة في البلاد، وتلك الخاصة بجمهور الناخبين ومتطلباته وتطلعاته، وتخص مقولات "الكم" و"الكيف"، و"السبب" و"النتيجة"، و"العام" و"الخاص"، و"الضرورة" و"الصدفة"، و"المكان" و"الزمان"، و"الثابت الحتمي" و"المتحول الإرادي"، وأثر الظروف والعوامل الموضوعية والذاتية والمقدرة التنظيمية. وكذلك تأثيرات البرنامج ونهج العمل والترشيحات والتحالفات والانتماءات الجغرافية والاجتماعية، بما فيها القبلية والعائلية والدينية. هذا إلى جانب وجوب مقارنة النتائج الرقمية في صناديق متشابهة ومختلفة في البلدة نفسها وبين بلدات مختلفة ومتشابهة، عدا عن مقارنة نتائج الانتخابات الحالية بانتخابات سابقة ورصد أسباب الاختلاف- صعوداً أو هبوطاَ- في ما بينها.
 نعم، هذه عملية منهكة وتستدعي إجادة الغوص في التفاصيل وتفكيكها لتركيب الصورة العامة التي أدت إلى هكذا نتيجة. أُشبّه الأمر بعمل الطبيب الجراح. فيا ويل من يتمدد على سرير الجراحة لدى جرّاح غير قادر على التشخيص الدقيق، ولا يتقن استعمال الأدوات من ملاقط وسكاكين وأمصال وأدوية وخيوط رتق ووصل وأدوات قطع، ولا يستعمل منظارا ميكروسكوبيا يستطيع من خلاله اختراق السطح الظاهر ورؤية الكامن المختفي.
 على الطبيب يتوقف إلى حد بعيد قيام المريض من على سرير الجراحة حيّا معافى، أو بقاؤه عليه ميتاً، جثة هامدة. وعلى دراسة الأحزاب للنتائج الرقمية للانتخابات، بموضوعية وبعلمانية وبدقة تفصيلية وبنقدية، يتوقف إلى حد بعيد التوصل إلى استنتاجات تؤدي إلى اتخاذ قرارات تكتيكية واستراتيجية إزاء ذاتها وإزاء الآخرين من خصوم ومنافسين، عملاً وتعاملاً. هذا العمل، هو الآخر، كعمل الطبيب- قد يحيي الأحزاب ويجددها، أو يُبقي عليها في غرفة الإنعاش خاضعة للتنفس الاصطناعي.
 
حديث الأرقام
النسبة العامة للتصويت:ارتفعت نسبة التصويت العامة في الانتخابات للكنيست الحالية الـ 19 (22 كانون ثاني 2013) بـ3.7% ووصلت إلى 67.77%، بينما كانت في الانتخابات السابقة للكنيست الـ 18 (2009) 64.7%. أما نسبة تصويت الناخبين العرب فبلغت 56.47%، أي أقل بـِ 11.3% عن النسبة العامة، وأكثر بـ 2.81% فقط عن النسبة السابقة (53.66%). فبقي الفارق نفسه تقريبا بين نسبة اقتراع العرب والنسبة العامة في البلاد، بل اتسع قليلا.
الأصوات العربية: بلغ عدد الأصوات العربية الصحيحة 448,920 صوتا، كانت حصة القوائم العربية منها (مع التنويه أن الجبهة عربية يهودية)، 348,919 صوتا، ونسبتها هي 77.7%. أي اقترع من العرب للأحزاب الصهيونية نحو مائة ألف صوت هي 22.3%. هذا يعني، بالمقارنة مع الانتخابات السابقة، انخفاضا في تصويت العرب لقوائمهم بنسبة 3.2% وارتفاع في تصويتهم للقوائم الصهيونية بنسبة 3.1%.
تنويه: ننوّه أنه لا يمكن ضبط الأرقام والنسب ضبطا مطلقا بين الأعشار إلى الواحد بالمائة حين يتعلق الأمر بالعرب والتصويت لقوائمهم. إذ أن الجبهة تحصل على آلاف قليلة من الأصوات بين اليهود. وهنالك قوائم لا تعبر نسبة الحسم- مثلاً قائمة "دعم" التي تحصل على أصواتها من الوسطين العربي واليهودي (حرقت في هذه الانتخابات 3546 صوتا). وهنالك عرب يعيشون ويصوتون في مدن يهودية.
المقاعد: حصلت "الموحدة" على 4 أعضاء برلمان وبقي عندها فائض أصوات فوق الرابع بلغ 20906 صوتا (عدد الأصوات- المقياس- للعضو 29,364)، بينما في انتخابات 2009 كان فائضها 4970 صوتا، وكان المقياس 27,246. حصل التجمع على 3 أعضاء وبقي عنده فائض 8834، بينما كان فائضه السابق 2001 صوتا.
 أما "الجبهة" فحصلت على 4 أعضاء. ويوجد لغط بخصوص حصولها على العضو الرابع باصواتها فقط أم بفضل توقيع اتفاق على فائض الأصوات بينها وبين التجمع. الجوابان العكسيان صحيحان في الوقت نفسه. هي حصلت عليه بفضل الأصوات الفائضة عند التجمع، لأنه يجري أوتوماتيكيا حساب الفائض لصالحها، وهكذا تسجل في لجنة الانتخابات المركزية. لكن الفائض عند الجبهة فوق العضو الثالث بلغ 25,518 صوتا. هذا فائض أقل من واحد صحيح، وفي الوقت نفسه أكبر من أي فائض لأية كتلة برلمانية أخرى. لذلك كان سيتم حسابه عضوا كاملا رابعا للجبهة حتى لو لم يكن اتفاق فائض أصوات بينها وبين التجمع. القضية الأساس هنا أن الجبهة نقصها 3846 صوتا للمقعد الرابع، بينما في انتخابات 2009 حصلت على الرابع وبقي عندها 3146 صوتا فائضا.
الأصوات للقوائم:  حصلت "الموحدة" على 138,362 صوتا (في الانتخابات السابقة 111954)، ، ونسبة 30.82% (سابقا 32.1%) من مجموع الأصوات العربية الصحيحة. وحصلت "الجبهة" على 113,610- 25.3%، (سابقا 31%) و"التجمع" 96,926- 21.59% (سابقا 83739 – 22.3%). بهذا يكون عدد أصوات الموحدة أكثر من عدد أصوات الجبهة بـ 24,752 صوتا ومن التجمع بـ 41,436. ويكون عدد أصوات الجبهة أكثر من التجمع بـ 16,684.
 لكن في انتخابات سنة 2009 فاقت أصوات "الموحدة" أصوات "الجبهة" بـ 1824 صوتا فقط وأصوات "التجمع" بـ 30215، وتعدّت أصوات الجبهة التجمع بـ 28391. أي اتسع الفارق كثيرا في انتخابات 2013 بين أصوات الموحدة والجبهة، وضاق مع أصوات التجمع. كذلك ضاق الفارق بين أصوات الجبهة والتجمع. بكلمات أخرى، حصة الجبهة من الأصوات تتسع أكثر بالمقارنة مع الموحدة وتضيق أكثر بالمقارنة مع التجمع. ويعني هذا أن الموحدة والتجمع في صعود، والجبهة في هبوط. كذلك الأمر بخصوص حصة ونسبة الجبهة من الأصوات العربية للقوائم الثلاث، إذ هبطت نسبة الجبهة في هذه الانتخابات بـ 5.7% عن نسبتها في الانتخابات السابقة، بينما هبطت نسبة الموحدة بـ 1.28%، ونسبة التجمع بـ 0.7% فقط.
النتائج في البلدات العربية: يظهر من خلال قراءة النتائج في 98 قرية ومدينة عربية، بما فيها المدن المختلطة- العربية اليهودية والقدس الغربية، أن "الموحدة" هي القوة الأولى في 57 بلدة، أي في 58.16% من بلداتنا، و"الجبهة" هي الأولى في 24 بلدة (24.50%)، و"التجمع" هو الأول في 17 بلدة (17.34%). وإذا ما أخرجنا "الموحدة" من هذه المقارنة واقتصرناها على ما بين الجبهة والتجمع، تكون المكانة الأولى في 54 بلدة للجبهة، وفي 44 بلدة للتجمع. يبرز هنا أيضا تراجع الجبهة، بالمقارنة مع انتخابات 2009، في نسبة حصتها من الأصوات وحتى في الأصوات المطلقة في عدة بلدات، بينما التجمع تراجع في بلدات لكن ازدادت أصواته ونسبته أيضا في العديد من البلدات. ولأول مرة في تاريخ خوضه الاتخابات لوحده منذ سنة 1999 (بالتحالف مع العربية للتغيير) وبعدها في انتخابات 2001 و2003 و2006 يكون للتجمع قصب السبق في 17 بلدة بالمقارنة مع القائمتين الأخريين، وفي 44 بلدة بالمقارنة مع الجبهة.
المقارنة بين المدن لوحدها: يفوق عدد الناخبين والأصوات في مدينة واحدة عددها في مجموعة قرى. تُظهر نتائج الانتخابات الأخيرة أن "الموحدة" هي الأولى في 9 مدن من أصل 16: رهط، الرملة، اللد، الطيبة، الطيرة، باقة، عكا، سخنين، طمرة. وتحتل "الجبهة" المكانة الأولى في 7 مدن هي: يافا، القدس، أم الفحم، حيفا، شفاعمرو، الناصرة، نتسيرت عيليت. أما "التجمع" فلم يحصل على المكانة الأولى في أية مدينة. وإذا ما أخرجنا "الموحدة" من المقارنة، نرى أن التجمع هو القوة الأولى في 4 مدن هي: رهط، اللد، باقة، طمرة، والجبهة هي الأولى في الـ 12 مدينة المتبقية.
المؤثرات الجغرافية- المناطقية والعائلية والدينية وبلدات المرشحين على النتيجة: يؤسفني الاضطرار للالتفات لهذه المؤثرات التي سنضطر دوما للالتفات إليها، ما دمنا لم ننضج بعد كلياً كشعب صقلته نهائيا وحدته القومية الوطنية المدنية والحضارية بغض النظر عن انتماءاته الأخرى.
 "الموحدة" ذات الانتماء والتركيبة الدينية الواحدة، هي القوة الأولى في النقب والمثلث ذات الطيف الديني الواحد، يليها "التجمع" ثم "الجبهة". وتحصل "الجبهة" تقريباً على 75% من مجموع أصواتها في الجليل وحيفا، وهي القوة الأولى في هذه المنطقة حيث العديد من بلداتها متعددة الأديان والطوائف. وهنا تتركز منطقة سكن الغالبية الساحقة من العرب المسيحيين. وتحصل الجبهة على أكثر من 60% من أصوات المقترعين العرب المسيحيين (وفي مدينة الناصرة أكثر- أنظر/ي مثال الناصر أدناه).
لا أتهم "الجبهة" بهذا بالطائفية، فهي حركة سياسية علمانية حتى النخاع والحزب الشيوعي مؤسسها وعمودها الفقري. ولكنها، وبسبب مواقفها وممارساتها، وتاريخيا، مغروسة في عقول ونفسيات الناس بأنها هي- لا "التجمع" القومي- الأكثر علمانية ومواجهة للتيار الإسلاموي، وللفكر الأصولي الرجعي والمتشدد.
 وحيث يكون المرشح للبرلمان من بلدة ما، تحصل قائمته على حصة الأسد من أصواتها. هكذا الأمر بالنسبة لجميع النواب الـ 11، باستثناء النائبة حنين زعبي من الناصرة ذات الثمانين ألف نسمة. لكن ما من شك أنها حصلت على غالبية أصوات الزعبية من الناصرة وفي قرى "الزعبية"- في المرج. ويحصل النائب عفو اغبارية على 7872 صوتا في أم الفحم (؟!)، يتناقض هذا الرقم الهائل تناقضا صارخا مع الانحسار المتواصل للجبهة في بلدات منطقة المثلث. ويحصل التجمع على 12000 صوت في النقب – منطقة المرشح الرابع في قائمته – جمعة الزبارقة. ويزيد أصواته بـ 9500 صوت عن الانتخابات السابقة، وبنسبة 380% (؟!). بل لاحظت وصول "عامل الزبارقة إلى ما أبعد من حدود النقب حيث تسكن أفخاذ منهم وأقارب وأنسباء لهم- هذا الأمر واضح في بعض صناديق الرملة. والصندوق الوحيد، بين صناديق الاقتراع في مدينة الطيبة الذي حصل فيه التجمع على المكانة الأولى هو الصندوق الذي يقترع فيه أبناء عائلة الزبارقة.
[تنويه: لا نقصد بالمرة، في ما أوردناه في هذا المقال، أعلاه وأدناه، من حقائق رقمية، أن نتنكر لحقيقة وجود عوامل أخرى ساهمت في تحصيل هذه النتائج. مثل زيادة أو هبوط شعبية الحزب فكريا وسياسيا والتحسن أو التراجع في النشاط الميداني والعمل التنظيمي...إلخ. إنما قصدنا كشف الحلقة الأساسية في السلسلة التي إذا ما رفعتها ترفع كل السلسلة، بصفتها هي العامل الأول لهذا التزايد أو النقصان غير الطبيعي في الأصوات للأحزاب في بعض الأماكن].

تأثير الأوضاع والانتخابات المحلية على البرلمانية: التأثير قائم في كل انتخابات، ويزداد إذا ما كان موعد الانتخابات البرلمانية والمحلية في السنة نفسها (الانتخابات للسلطات المحلية في شهر اكتوبر هذه السنة). إذ توجد في الانتخابات المحلية إمكانية واسعة لبناء علاقات وتفاهمات وحتى صفقات وتحالفات محلية تقوم على أساس "خذ واعطي"، أعطني أصواتك في الانتخابات البرلمانية ضد الحزب الذي يرأس ويدير أعضاء منه أو حلفاؤه السلطة البلدية، وسأدعمك في المقابل في الانتخابات المحلية ضدهم. علماً بان الانتخابات للسلطات المحلية تجري في كل بلداتنا بين قوائم ذات طابع عائلي أو طائفي أو حاراتي، وحدهما "الجبهة" في عدة بلدات و"التجمع" في بلدات قليلة يخوضانها على أساس حزبي- وغالبا تنافسي بينهما.
 على هذه الخلفية يتضح الانخفاض الكبير لأصوات ولنسبة "الجبهة" في الانتخابات البرلمانية الأخيرة وبالذات في البلدات الجليلية التي ترأس وتدير سلطاتها المحلية. وهي ست بلدات: ثلاث مدن- الناصرة وشفاعمرو وطمرة، وثلاث قرى- إكسال ويافة الناصرة وعرابة. علما بأن الجبهة كانت الأقوى والأبرز في السابق في استعمال الانتخابات البلدية لصالح البرلمانية.
 خسرت الجبهة في تلك البلدات الآلاف من أصواتها وكسب التجمع آلافا إضافية (طبعا ليس فقط بسبب الوضع البلدي، لكنه العامل الأساس والأكبر). ونورد على سبيل المثال لا الحصر أن "التجمع" في يافة الناصرة كسب 1077 صوتا إضافيا عن أصواته في انتخابات سابقة (كانت 775 صوتا)، أي ازدادت أصواته بنسبة 135%! أما في شفاعمرو فازدادت أصوات التجمع 999 صوتا- 40%، مع التنويه أن حصة لا بأس بها من هذه الزيادة في شفاعمرو تعود إلى النشاط الميداني والتنظيمي المتشعب لفرعه في المدينة. وقس على هذا... وانظر الناصرة كمثال، أدناه.

الناصرة كمثال...
هي المدينة الأكبر- 80,000 نسمة، والعاصمة الوطنية والاقتصادية والثقافية للعرب الفلسطينيين في إسرائيل. والناصرة متعددة الأديان والطوائف (تقريبا 60% مسلمون و 40% مسيحيون). يبلغ عدد أصحاب  حق الاقتراع فيها 51,059 شخصاً، بلغت نسبة تصويتهم 55%، أي 28110 ناخبين (في انتخابات 2009 كانت النسبة 47.8%، أي 22506 ناخبين من أصل 47,041 صاحب حق اقتراع).
 حصلت "الجبهة" على 13,517 صوتا- 48.8% (في الانتخابات السابقة 50.68%). ونال "التجمع" 7592 صوتا- 27.4% (23% في السابقة). حصدت هاتان القائمتان أصواتهما من كل أحياء المدينة وناخبيها على اختلاف انتماءاتهم. أما "الموحدة" فحصدت 4295 صوتا- 15.5% (في السابقة 17.16%) من المسلمين فقط. هذا يعني أنه رغم ارتفاع نسبة التصويت 7.2% وازدياد عدد المقترعين بـ 5560 صوتا جديدا، لم تزد "الجبهة" أصواتها إلا بـ 2111 صوتا وتراجعت نسبتها بـ 1.88%. وازدادت أصوات "الموحدة" 433 صوتا فقط وتراجعت نسبتها 1.66%. وحده "التجمع" ارتفع اصواتا 2390 صوتا، ونسبة 4.4%، وازدادت أصواته عن المرة الماضية النصف تقريباً- 46%، واصبحت أكثر من نصف أصوات الجبهة- 55% (كانت 45%).
 إذا ما أبحرنا أعمق في استنباط نتائج 81 صندوقا انتخابيا موزعة في عشرة قطاعات، نرى (مرة أخرى، يؤسفنا هذا التقسيم على أساس ديني)- أن "التجمع" حصل بالمعدل على 32% من الأصوات في القطاعات الإسلامية الأربعة، أي أكثر من نسبته العامة في المدينة – (27.4%) بـ 4.6%، وحصل على 25% بالمعدل، أي انخفضت نسبته بـ 2.4% في أربع قطاعات مختلطة (اسلامية- مسيحية). ولم تتعد نسبته 18% في القطاعيْن المسيحييْن، أي هبطت نسبة التجمع هناك عن نسبته العامة في المدينة بـ 9.4%، رغم ازدياد عدد المقترعين وارتفاع نسبة التصويت وكَوْن المرشح الثالث في قائمته البرلمانية ينتمي دينيا للمسيحية.
 بغض النظر عن وجود عدة عوامل تؤثر على نتيجة الانتخابات الرقمية لأي حزب كان، لكن الحقيقة الأساسية التي تؤكدها هذه القفزة للتجمع في الناصرة، أن هنالك تذمرات وخلافات داخل أوساط وأحياء إسلامية ومختلطة كانت تدعم كتلة "الإسلامية" المعارضة في البلدية التي ترأسها "الجبهة"، عدا عن تذمرات ضد إدارة البلدية والجبهة عموما. قاد هذا إلى اتفاقات وتحالفات بين التجمع وهذه الأوساط تقوم على دعم التجمع في الانتخابات البرلمانية والتعاون مع هذه الأوساط في الانتخابات المحلية للبلدية. لم يحدث هذا في الأحياء المسيحية.

***************
الأرقام تنطق، تتحدث، تـُعبّر... فاصغوا إليها. وهي أرقام ومعطيات استقيتها من الأوراق الرسمية والمعتمدة لنتائج الانتخابات، ومن دراستي الميدانية لها في عدة قرى ومدن عربية وحتى في صناديق انتخابية مختلفة، عدا عن إجراء المقارنات في ما بينها ومع نتائج انتخابات سابقة. بل قمتُ أيضا بالتواصل والتشاور مع العديد من الشخصيات المطلعة في العديد من بلداتنا للتأكد من صحة استنتاج ما يخص نتائج بلداتهم، مما توصلت إليه.
ويبقى الأهم: ماذا يترتب عن هذه الدراسة الرقمية الواردة في هذا المقال من استنتاجات تخصنا كشعب، وتخص كل قوائمنا الانتخابية الثلاث وأحزابها معاً، وكلا منها على حدة.
 هذا هو موضوع المقال القادم المكمل لهذا المقال، أو الأصح قسمه الثاني.
[samih.gha@gmail.com]

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير
الاسم الكامل :
مكان الاقامة :
التعليق :
هام جدا : أدارة الموقع لا تنشر اي تعقيب فيه تجاوز لقانون القذف والتشهير, وتقع المسؤلية على كاتب التعقيب
Copyright © almadar.co.il 2010-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع المدار الاول في الشمال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت
X أغلق
X أغلق