تل أبيب قالت: لا - بقلم اليف صباغ
2013-01-24 12:59:47

من أصغى خلال اليومين الاخيرين، غداة انتهاء العملية الانتخابية، للتحليلات والتأويلات والتوقعات والتنبؤات التي ملأت الفضاء والفضائيات، لا يصل الا الى نيجة مفادها، "الله أعلم"!!!. كم هو مريح هذا الاستنتاج! لأنه يلقي من الحمل عن ظهركل منا ويدفع به الى علم الله. مع ذلك لا بد من المحاولة لفهم ما انتجته هذه الانتخابات، وما تأثير ذلك على مجمل المشهد السياسي الذي نحن جزء مركب منه، شئنا ام أبينا.
كالعادة، تبحث وسائل الاعلام عن المفاجئات، أي عن الاثارة، بالمقابل نبحث نحن عن معنى هذه المفاجئة وما اذا كانت تشكل اتجاها جديدا او مركبا جديدا في المشهد العام وما هو تأثيره؟
اتفق الجميع على ان المفاجئة الكبرى لهذه الانتخابات هي فوز حزب يائير لبيد (يش عتيد) على 19 مقعدا وهو حزب جديد يخوض الانتخابات لاول مرة، ومع ذلك يجدر بنا التذكير انه يمثل تيارا اجتماعيا وايديولوجيا، تحت عنوان الصهيونية اللبرالية، ولديه رؤيته الخاصة للمجتمع الاسرائيلي في العلاقة بين الدين والدولة وفي طريقة الحكم وفي الحياة الاقتصادية للدولة والمجتمع ايضا، وطالما تمثل هذا التيار في الكنيست من خلال حزب، او أحزاب، في مركز الخارطة السياسية.
لا شك ان هناك سمات أخرى لنتائج الانتخابات ومنها فوز اليمين الاكثر تطرفا من نتانياهو، حزب البيت اليهودي برئاسة نفتالي بينيط،  ب 12 مقعدا على حساب مجمل الاحزاب اليمينية المتطرفة وعلى حساب الليكود ايضا، والملفت للانتباه، وهو الاخطر في تقديرنا، ان حزب نفتالي بينيط حصل على 70% من اصوات الجيش وهذا يشكل ضوءا أحمر يستوجب التوقف عنده لفهم العقيدة السياسية والايديولوجية للجيش الاسرائيلي، وربما تشكل نتائج الإنتخابات في الجيش موقف نزع ثقة من رئيس الحكومة بيبي نتانياهو، وسيكون لنا عودة لتحليل ذلك بعمق واتساع اكثر.
في الملخص ايضا نستطيع التأكيد ان بيبي نتانياهو فشل في زيادة قوته كما كان يحلم ويخطط تحت شعار "حزب قوي" و"حكومة قوية" و"رئيس قوي"  التي اراد بها مواجهة العالم والرئيس الامريكي بالذات، ولكنه احتفظ  بقوة ما تسمح له بتشكيل حكومة من جديد وفق اجندة داخلية، وهنا لا بد ان نشير ان امكانية اعطاء الفرصة لبيبي نتانياهو في تشكيل حكومة تأتي على خلفية ازمة قيادة بديلة لدى الاحزاب في المعسكر الآخر، الأمر الذي يجعل من نتانياهو مرشحا وحيدا لرئاسة الحكومة.

المفاجئة الكبرى
قبل الدخول في احتمالات تشكيل الحكومة وفق المعطيات الجديدة لا بد ان نفهم، اين وكيف ولماذا حصلت هذا المفاجئة ؟ وهل تحمل في طياتها تغييرا في جدول اعمال الحكومة القادمة؟
 ان مراجعة دقيقة وتفصيلية لنتائج الانتخابات تبين ان المفاجئة الكبرى حصلت على خلفية انقلاب في التصويت حصل في مركز البلاد حيث يعيش اكثر من ثلث المصوتين في اسرائيل وبالذات في مدينة  تل ابيب، وتبين ايضا ان مفاجئة حزب يئير لبيد (يش عتيد) جاءت ثمرة للحراك الاجتماعي الذي حصل خلال السنتين الاخيرتين والضائقة السكنية التي تعاني منها الطبقة الوسطى هناك. الدليل على ذلك يظهر في المقارنة بين نتائج الانتخابات بين عام 2009 وعام 2013 في مدينة تل ابيب اكبر المدن الاسرائيلية. ففي العام 2009 حصل الليكود ويسرائيل بيتينو (ليبرمان) على 50% تقريبا من اصوات الناخبين في تل ابيب، بينما حصلا سويا هذه المرة على 17% فقط  من اصوات المدينة، وهذا يفرض علينا ان نتساءل، اين ذهبت هذه الاصوات؟. أما "كاديما" فقد حصلت في العام 2009 على 18% من الاصوات بينما حصلت هذه المرة على 2% من اصوات مدينة تل ابيبي فقط، وحصلت تسيبي ليفني على حوالي 7% من الاصوات. فأين ذهبت الاصوات؟
 ان النظر الى ما حصدته الاحزاب الاخرى في المدينة مقارنة بما حصلت عليه في الانتخابات السابقة يجيب على السؤال: لقد حصل حزب العمل في المدينة عام 2009 على 2.5% واليوم على 16% ، اما "ميرتس" فقد حصلت عام 2009 على نصف بالمائة فقط بينما حصلت اليوم على 14%، واما حزب يئير لبيد (يش عتيد ) فلم يكن موجودا عام 2009 وحصل اليوم على اكثر من 20% من اصوات المدينة. هكذا نكون قد حللنا لغز مصدر المفاجئة،  ويبقى السؤال، ما يعني ذلك؟
لقد ارتدت اصوات الازواج الشابة في المدينة، الاصوات الصهيونية اللبرالية عن الليكود وكاديما وعادت الى حزب العمل وحافظت حركة تسيبي ليفني على جزء منها وحصد حزب يائير لبيد النسبة الكبرى، بينما انتقلت اصوات من حزب العمل  واوساط اخرى الى ميرتس بشكل ملفت للانتباه. واذا اخذنا بعين الاعتبار الاجندات السياسية (الداخلية والخارجية) للحراك الاجتماعي المذكور، ولهذه الاحزاب نستطيع ان نستنتج، ان تل ابيب قالت: لا لبيبي نتانياهو وليبرمان. لا، لسياستة الاجتماعية -الاقتصادية. لا، لعدم تقاسم العبء الأمني مع الحريديم، لا، لغلاء اسعار الشقق السكنية للازواج الشابة، لا، للنفوذ الديني المتشدد في حياة العائلة اليهودية، لا، لطريقة الحكم الموجودة، ولا للمغامرة والعدوان على ايران، ويذكر أهالي تل ابيب جيدا كيف جعلت صواريخ سكود العراقية تل ابيب خالية من سكانها، رغم انها كانت صواريخ بدائية، فكيف بالصواريخ الايرانية؟ واذا أخذنا ما حصلت عليه ليفني في تل ابيب وفي اسرائيل عامة، وهي التي وضعت التسوية السياسية على رأس سلم اولوياتها، يتضح ان موضوع التسوية السياسية في الشرق الاوسط لا يعني الا جزء بسيطا من الناخبين، خاصة وانه لا يوجد مَن، أو ما، يجبرهم على ذلك. وفي خلفية هذه النتيجة، لاحظنا ان نتانياهو التقط الرسالة بسرعة وفهمها، ولم يتأخر في

الاستجابة لهذا الصوت الآتي من تل ابيب، اذ اعلن في خطابه الاول بعد صدور النتائج الاولية للانتخابات، وبعد التوجه أولا الى يئير لبيد، انه ينوي تشكيل حكومة موسعة تقوم  بتغييرات في طريقة الحكم وتعالج مسألة تقاسم العبء وتخفض تكاليف السكن في مركز البلاد وهي اجندة الحراك الاجتماعي ويئير لبيد، بالاضافة الى التحديين الكبيرين، الاقتصادي والسياسي- الامني. إذن ، لقد كان لهذه المفاجئة تأثيراتها المباشرة على جدول أعمال الحكومة القادمة بقوة مما يحتم على نتانياهو ان يغير جدول اعماله السابق ليلتفت الى السياسة الداخلية وان بقي يصرخ ليل نهار ايران..  ايران.. 

سيناريوهات لتشكيل الحكومة
نعم، عند تشكيل الحكومات تختلف الامور عما كانت عليه قبل الانتخابات، قد ترفع الاحزاب شعارات رنانة، وتتبع تكتيكا ما لكسب الجمهور الذي حددته هدفا لها، وقد يقول عنها الاعلاميون انها شعارات  فارغة او غوغائية او احادية الجانب الخ.. ولكن عند تشكيل الحكومة لا بد من الأخذ بعين الاعتبار قدرة هذه الحكومة على اتخاذ القرارات وفق توازن او توافق مصالح القوى المركبة لها، كما تضطر الاحزاب الى التعامل مع كافة القضايا على جدول الاعمال الحكومي، فهل يمكن ان تضم الحكومة حزبين ذوي اجندات متناقضة مثل شاس ويش عتيد؟
يمكننا ان نرسم مجموعة من التشكيلات لحكومة نتانياهو القادمة ، ولكننا لا تستطيع فهم تشكيلة الحكومة دون الاطلاع على جدول أعمالها، الداخلي والخارجي، السياسي والاقتصادي، العلماني والديني .....الخ. وفي كل الحالات ستكون مهمتها الاولى إقرار ميزانية الدولة، التي  يُقلص فيها العجز المالي ما بين 20-40 مليارد شيكل، فهل يكون هذا التقليص على حساب الطبقات الفقيرة والوسطى ام على حساب كبار رؤؤس الاموال؟ أم على حساب النفقات الامنية؟ وهل يمكن ان تكون شاس ويهدوت هتوراة في حكومة تمرر ميزانية كهذه؟
نظريا، يستطيع نتانياهو ان يشكل حكومة ضيقة من حلفائه الطبيعيين، اي مع الحريديم والبيت اليهودي، وربما كاديما (شاؤول موفاز)، فتساوي 31+12+19+2 وتساوي 64 عضوا، مثل هذه الحكومة لن تلبي مطلب ذلك الصوت الهام الذي شكل مفاجئة الانتخابات، وهي لن تستطيع تمرير ميزانية تقليصات وحرمان الطبقات الفقيرة، وهي ستبدو في نظر العالم دينية متطرفة.   ويبدو ان نتانياهو لا يستطيع التعايش مع هكذا حكومة امام العالم ولانه لا يستطيع التخلي عن حزب لبيد في حكومته، بينما يستطيع التخلي عن أي حزب آخر او يبحث له عن بديل. وهنا يجب ان نذكر ان حزب "البيت اليهودي" يتفق مع حزب "يش عتيد" في اجندته السياسة الداخلية، ويختلف معه قليلا في السياسة الخارجية.
نظريا ايضا، يمكن ان يشكل نتانياهو حكومة ضيقة من الليكود بيتنا، يش عتيد، البيت اليهودي، وكاديما (31+19+12+2) وتساوي 64عضوا، مثل هذا الحكومة يمكن ان تمرر الميزانية التي تتضمن تقليصات في الميزانية تطال الطبقات الفقيرة ولا تصيب الطبقة الوسطى، ويمكنها ايضا

انجاز قوانين تطال وتحد من النفوذ الديني للاحزاب الحريدية في حياة العائلة والمجتمع اليهوديين، كما يمكنها ان تنجز قانونا لتقاسم العبء الامني بين المتدينين والعلمانيين في الدولة وتغييرات في الاقتصاد لصالح الطبقة الوسطى والتخفيف من ازمة ارتفاع غلاء الشقق السكنية في تل ابيب ومدن المركز، وتغييرات اخرى في السياسة الداخلية. لكن مثل هذه الحكومة قد تواجه موقفا دوليا يتهمها بالتطرف اليميني  ويحملها مسؤولية انعدام السلام وتجميد عملية التسوية في الشرق الاوسط. وقد تواجه بعد حين تهديدات داخلية.
في تصور آخر، يمكن ان يُضم الى التشكيلة المذكورة حزب شاس ويهدوت هتوراه (19)، وبذلك تصبح الحكومة 64+19 =83 وفي مثل هذه الحالة سيعمل نتانياهو مجسرا اجتماعيا بين لبيد ودرعي من ناحية، ومجسرا أمنيا بين لبيد ونفتالي بينيط من ناحية ثانية، وبذلك يبدو نتانياهو امام العالم والاسرائيليين انه يقود حزبا وسطيا وحكومة متوازنة دون ان يقدم أي تنازلات في السياسة الخارجية، بهذه الحكومة يستطيع نتانياهو ان يُضعف كل طرف من اطراف حكومتة بواسطة الطرف الآخر في حالة احتاج الى ذلك، أي انه لا يستطيع أي حزب ان يهدده بالخروج من الحكومة اذا لم يلب مطالبه، فأي حزب يخرج من الحكومة لا يلغي حفاظها على الغالبية في البرلمان. ويستطيع ان يمرر كل قرار بالاغلبية دون ان تفقد الحكومة توازنها.
بين كل هذه الاحتمالات  يبدو لي ان حكومة التوازنات الواسعة هل التشكيلة التي يسعى اليها نتانياهو وهي التي تستطيع ان تأخذ قرارات معاكسة في المصلحة لأحد مركباتها دون ان يكون باستطاعته اسقاطها، وهي الحكومة التي تستطيع ان تدفع بالحلول الوسط في السياسة الداخلية.

التداعيات المرتقبة
ستبين الاسابيع القادمة، وحتى الاشهر القادمة، ان بيبي نتانياهو سيستمر بالحديث عن الخطر الخارجي، ولكنه في الحقيقة سيجد نفسه يتعامل فعليا بالسياسة الداخلية. لأنها القضايا الملحة التي اراد الجمهور الاسرائيلي ان يعالحها. منها الصراع العلماني الحريدي، ونفوذ الحريديم في حياة العائلة اليهودية، قضية تقاسم العبء العسكري بين العلمانيين والحريديم، واسعار المساكن للازواج الشابة في مركز البلاد، وتغيير طريقة الحكم ورفع نسبة الحسم، وقبل كل شيء، يجب ان تعالج قضية مركزية وملحة وهي تمرير ميزانية حكومتة القادمة، الميزانية التي  تقصم ظهر الطبقات الفقيرة، وليس المتوسطة.

للذين يفكرون  بالعلاقات الاسرائيلية الامريكية وكيف ستؤثر على تركيب الحكومة القادمة او كيف ستؤثر امريكا على الحكومة القادمة لدفع عملية التسوية، لا بد ان يتذكروا ان
اهتمام امريكا، اولا وقبل كل شيء، بقضاياها الداخلية وهي كثيرة.
ربما يكون الرئيس الامريكي مبتسما الآن لإضعاف نتانياهو، وفي سره يعلم ان أي رئيس حكومة آخر لن يستطيع التقدم في أي عملية سلمية حقيقية، لان جمهور "الليكود-بيتنا" ، رغم تراجعه،
وحزب البيت اليهودي، بسبب تعاظم قوته، سينزلون الى الشارع ويتحصنون في المستوطنات ولن يكون بإمكان أي حكومة أخرى تنفيذ قراراتها في السياسة الخارجية.

في مثل هذا السيناريو المتوقع، ستكون حكومة اسرائيل القادمة، كسابقتها، حكومة شلل سياسي، وبالتالي لن يكون امام القيادة الفلسطينية الا القيام بخطوات أحادية الجانب لفرض الدولة الفلسطينية في الواقع ، وبحدودها المعترف بها دوليا، ويفترض على الجميع تجهيز انفسهم ضمن خطة شاملة سياسية واقتصادية وأمنية وحتى إدارية، وذلك  لن يحصل الا اذا كانت المصالحة أول الخطوات، مثل هذا البرنامج العملي يصلح لان يكون القاعدة المشتركة للمصالحة. اليف صباغ مدونة حيفا برس البقيعة 24.1.13

 

 

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير
الاسم الكامل :
مكان الاقامة :
التعليق :
هام جدا : أدارة الموقع لا تنشر اي تعقيب فيه تجاوز لقانون القذف والتشهير, وتقع المسؤلية على كاتب التعقيب
Copyright © almadar.co.il 2010-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع المدار الاول في الشمال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت
X أغلق
X أغلق