لا تلوموا الضحية واٌنظروا إلى ما بعدَ... بعدَ غزة!
2012-10-24 15:05:03

حضر أمير قطر، حمد بن جاسم آل خليفة، وزوجته الشيخة موزة، بالأمس الى قطاع غزة في زيارة استمرت ست ساعات، فاستُقبل هناك، من قبل حركة حماس، استقبال "الفاتحين"، وأعلن رئيس الحكومة المقالة اسماعيل هنية باسم الضيف ان الزيارة تشكل كسرا نهائيا للحصار الاسرائيلي على القطاع، هل حقا؟ وبدوره، أشاد الضيف بصمود أهل غزة الذين واجهوا العدوان الاسرائيلي بطائراته المحملة بالفوسفور الابيض والمصبوب فوق أهل القطاع، "بصدورهم العارية وجباههم العالية"..... "فكانوا مفخرة للعرب أجمعين". يبدو هذا المشهد مربكا ومعقدا حين نتذكر، ويتذكر أهالي غزة بالذات، ان الفوسفور الابيض نقل الى اسرائيل من قاعدة السيلية في قطر على طائرات أمريكية، ليُصبّ نارا حارقة وقاتلة فوق رؤوس الاطفال والنساء والرجال ذوي "الصدور العارية" في قطاع غزة، ومن منا لا يتذكر تلك الصورة التي التقطت لامير قطر هذا وهو يلتقط صور الطائرات الامريكية المقلعة من السيلية محملة بالفوسفور الابيض من هناك الى سماء القطاع؟ وهل من فارق بين الطائرات الامريكية والاسرائيلية؟ ويبدو الأمر اكثر تعقيدا حين يُستقبَل هذا الأمير بالذات استقبال "الفاتحين" مقابل دعم مالي يبدو كبيرا، ويحق لكل منا ان يتساءل: هل هذا المال هو تعويض لذوي الضحايا او للضحايا الذين ما زالوا يعانون ويلات تلك الحرب؟ ام انه تبرئة للذمة يقدمها امير قطر تعويضا عن خطاياه الكثيرة تجاه شعب فلسطين؟ ام محاولة لشراء الذمم وتحويل المسارات السياسية بما يخدم مخططات قطر ومن يسيّرُها؟ ام عقابا للسلطة الفلسطينية التي لم تستطع التجاوب مع المطلب القطري الامريكي الاسرائيلي بالتراجع عن مطلب الاعتراف بحدود الدولة الفلسطينية في الامم المتحدة؟ أم ان الخطوة تأتي ضمن استراتجية اقليمية بعيدة المدى آخذة بعين الاعتبار الاحداث الجارية على المستوى الاقليمي من تونس وحتى سوريا مرورا بليبيا مصر والسودون، والمتغيرات الحاصلة او المرغوبة؟ وكل ذلك بالتنسيق الكامل مع اطراف اقليمية ودولية. أم ان كل هذا الامور مجتمعة وغيرها هي التي دفعت بأمير قطر ان يخطو هذه الخطوة، وهي بدون شك مثيرة للبعض ومربكة للبعض الآخر، وتستأهل ان نقف عندها بتمعن وموضوعية. وخوفا من تفسير الزيارة والدعم المادي على انها شراء للموقف الوطني الحمساوي اعلن اسماعيل هنية خلال استقباله للامير ان "حماس لن تتنازل عن ذرة واحدة من تراب فلسطين" ومن يدري؟ ان غدا لناظره قريب...
قد يتساءل بعضنا، بحميّة وغضب صادقين، وعلى خلفية احتضان قطر للقواعد الامريكية وعلاقاتها المفضوحة مع اسرائيل، كيف يمكن ان يستقبله أهالي غزة الجريحة دون علاج او دواء، الجائعة دون غذاء او ماء كافيين، المظلمة الا من "أضواء" النيران المعادية، والمحاصرة من الصديق والعدو على حد سواء؟ كيف يمكن ان يستقبله اصحاب "الصدور العارية" وهم يعيشون مع اطفالهم في العراء منذ اربع سنوات، بغير "الأحذية المهترئة" ؟ كيف لا يقابَل بشعار "لا اهلا ولا سهلا" على الاقل؟ وهو الحليف لاعداء الشعب الفلسطيني، امريكا واسرائيل؟ وهو الراعي  لضرب روح المقاومة وظهرها السوري حين غابت ظهور العرب الاخرى؟ اسئلة محقة، ولكني مع كل ذلك ورغم الجراح والآلام، لا ألوم أهالي غزة، لانني لا الوم الضحية، ولأنني لا أشكك في وعي أهلنا هناك وقدرتهم على التفريق بين العدو والصديق، وما الخطابات السياسية لمن يرون بانفسهم ممثلين للشعب الا نفاقا يحضر مع الربح ويذهب مع الريح. والفارق دائما نقطة.
قد يتساءل آخرون كيف يمكن ان تعلن وزارة الخارجية الاسرائيلية، معارضتها للزيارة مع ان مندوب قطر في غزة اعلن مسبقا ان الزيارة تتم بعد التنسيق الكامل مع اسرائيل ومصر؟ هل هي محاولة اسرائيلية لاظهار امير قطر بالوجه الذي يرغب به الفلسطينيون، أي عدوا او خصما للمحتل الاسرائيلي؟ ام ان ذلك هو الخطاب المعهود لوزارة الخارجية بوجهها المعروف افيغدور ليبرمان وبمواقفه المتحدية والمنافسة في التطرف لرئيس الحكومة نتانياهو؟ خاصة عشية الانتخابات البرلمانية. فلا غرابة في مثل هذه المنافسة اليمينية عشية الانتخابات البرلمانية في اسرائيل، ولا غرابة ايضا في تصعيد عسكري دموي ضد اهالي قطاع غزة بالذات.
محللون سياسيون وعسكريون ورجال مخابرات في اسرائيل يرون الزيارة القطرية بعيون مختلفة وتبدو اكثر بعدا مما يراه القادة السياسيون في اسرائيل. فعلى موقع "هآرتس" كتب المراسل السياسي آفي سخاروف مع زميله المراسل العسكري عاموس هرئيل، قبل يوم من زيارة الامير القطري انه تم "الاتفاق على ان تعلن حماس بهذه المناسبة عن كسر الحصار الاسرائيلي على القطاع"، وهذا ما تم في اليوم التالي فعلا، وان الزيارة ستتم "بالتنسيق الكامل مع اسرائيل ومصر"، عكس ما صرحت به وزارة ليبرمان في اليوم التالي.
الملفت للانتباه هو ما قام به محللون عسكريون ومخابراتيون من خلال موقع "ديبكا" وتسليط الاضواء على البعد الاقليمي لهذه الزيارة ضمن متغيرات القوى الحاكمة اقليميا والتحديات التي تواجهها قطر ومن يوجه سياستها في المنطقة. ويرى هؤلاء ان امير قطر لم يزر غزة بصفته متبرعا كبيرا وكريما، حتى وان كانت المشاريع المدشنة تحمل اسمه، الا انه جاء "كحاكم دولة، وان كانت صغيرة الحجم، الا انها تلعب في الآونة الاخيرة دور دولة اقليمية كبرى تؤثر في الاحداث وتقودها الى واقع شرق اوسطي جديد، تتبدل فيه القوى الحاكمة"، مع نظرة مشابهة الى الحالة الفلسطينية اذ اشار امير قطر الى ذلك في خطابه وفي زيارته من خلال التعامل مع كيانين فلسطينيين وليس كيانا واحدا. واهم ما اشار اليه المحللون انه ستكون لهذه الزيارة "ابعادا سياسية واستراتيجية وعسكرية على المدى البعيد، على اسرائيل والاردن ومصر والسلطة الفلسطينية برئاسة ابو مازن"، ففي بعض البلدان حيث دعمت قطر عملية التغيير فيها مثل ليبيا وتونس ومصر ترتد بعض القوى على خالقها، ويحتد الصراع بين الحركات الاسلاموية من القاعدة والسلفيين والاخوان المسلمين، وهذا ينعكس على الحالة الفلسطينية في قطاع غزة، ومن هنا، يقول المحللون، جاءت ضرورة التدخل القطري لحسم هذا الصراع لصالح حماس من خلال هذه الزيارة والدعم المادي الكبير لترميم ما زرعته الحرب من دمار. ويضيف الكاتب، ان "آل ثاني، الذي يئس من قدرة مصر، المفلسة ماديا، في السيطرة على ما يجري في سيناء وقطاع غزة، يعلم جيدا انه بدون تثبيت سلطة حمساوية قوية في غزة تفرض هيبتها على بدو سيناء وعلى الجماعات السلفية وعلى تجارة وتهريب الاسلحة الجاري بين ليبيا ومصر سيناء وقطاع غزة، ستفقد قطر تدريجيا سيطرتها وتأثيرها في ليبيا، ودورها الاقليمي، وهذا هو السبب الرئيس لحضور آل ثاني الى غزة وتقديم الدعم بما يقارب ربع مليارد دولار لاعادة الاعمار". وهذا سبب كاف في رأي المحللين الاسرائيليين، لمزيد من التصعيد العسكري على الحدود مع قطاع غزة في المستقبل القريب.
لا يفوتنا ان نذكر ايضا ان الزيارة القطرية جاءت استكمالا للتعهدات التي قطعتها قطر على نفسها ضمن صفقة شاليط، وقد اشار اليها هنية في خطابه المذكور، كما لا يفوتنا ان نرى ما تعد له اسرائيل وامريكا من عدوان مرتقب على لبنان او سوريا او ايران وضرورة ان يكون قطاع غزة هادئا تحت النفوذ القطري الحليف لامريكا واسرائيل في هذا الصراع.

اليف صباغ
مدونة حيفا برس
24 اكتوبر 2012 

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير
الاسم الكامل :
مكان الاقامة :
التعليق :
هام جدا : أدارة الموقع لا تنشر اي تعقيب فيه تجاوز لقانون القذف والتشهير, وتقع المسؤلية على كاتب التعقيب
Copyright © almadar.co.il 2010-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع المدار الاول في الشمال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت
X أغلق
X أغلق