من الذي اغتال وسام الحسن؟ بقلم اليف صباغ
2012-10-23 23:53:14

بين نظرية المؤامرة والتحليل السياسي
قد يصعب التحليل السياسي العلمي لحدث معين احيانا وتلتبس الامور على المهتم فيذهب الى السؤال، من المستفيد؟ فيبني عليه جوابا واحدا ليصل سريعا الى الاستنتاج الاوتوماتيكي ان المستفيد هو الفاعل وان الاستفادة هي الدافع للقيام بالفعل. قد يكون هذا المنهج صحيحا احيانا قليلة فقط، وليس دائما، وقد يوصل الى الجواب الصحيح، لان للاعمال اهداف وفوائد مرجوة، لكن الاستكانة في البحث عن جهات اخرى مستفيدة ايضا واستسهال المنهج هو كسل مقيت قد يوصل الى الخطأ ، وحتى الى التورط في "نظرية المؤامرة" وفق مفهومها الحقيقي وليس المتداول. وللتوضيح، يكمن جوهر "نظرية المؤامرة" في القاء المسؤولية والتهمة على طرف معين دون دليل حسي، بحجة انه الطرف المستفيد، وفق وجهة نظر ما، مع تعظيم غير واقعي لقوة ذلك الطرف وقدرته على التخطيط والتنفيذ واخفاء الدليل وما الى ذلك. ومن هنا فان التحليل الموضوعي لحدث ما لا يحصل الا بالاطلاع على الحقائق الموضوعية المرتبطة بالحدث والدليل الحسي وربطها بشكل منطقي يقبله العقل مع الاخذ بعين الاعتبار التجربة التاريخية ومصالح الاطراف المعنية دون اتهام مسبق او استثناء لطرف مستفيد من الصورة المتكاملة. وفي كل الحالات يبقى الدلبل الحسي هو العامل الحاسم في تحليل المشهد، اما المستفيد او المنطق فهي ادوات التحليل التي لا ترقى الى مستوى الدليل الحسي بأي شكل.
اسوق هذه المقدمة العامة قبل الدخول في تحليل القضية العينية وهي حادث اغتيال العميد وسام الحسن رئيس فرع المعلومات في قوى الامن اللبناني لكثرة ما تقوم جهات اعلامية وسياسية باستغباء الناس وتسخيف  عقولهم وتسطيح وعيهم. وبما ان الدلائل التي يمكن ان تشير باصبع الاتهام الى الفاعل غائبة في الوقت الحاضر فانني اتفهم استخدام المنهج المعتمد على السؤال، من هو المستفيد؟ وكيف؟ وهل توجد لدى المستفيد الدوافع الكافية للقيام بهذا العمل؟ وهل يمكن للتجربة السابقة ان تعزز الاستنتاج بان المستفيد هو الفاعل؟ ولكن كل ذلك لا يكفي للوصول الى الحقيقة.
للوصول الى الحقيقة الموضوعية لا بد من استخدام العقل وادوات التحليل، ولا بد من معرفة الجهة المتهمة على اعتبار انها المستفيدة ايضا، ومنهجية وادوات عملها وقدراتها وسلوكياتها السابقة ومصالحها، ولا بد من اخذ كل الحقائق او المعطيات المعروفة بعين الاعتبار، وهي تساعدنا في تكوين صورة متعددة الابعاد، ولا بد من استيضاح كل وجه من هذه الوجوه بما يتضمن من تفاصيل ومعطيات، ومن هذه المعلومات: اولا، ان وسام الحسن كان في زيارة رسمية او عائلية الى فرنسا سويا مع العميد اشرف ريفي مدير الامن الداخلي، وانهما اتفقا ان يعودا الى لبنان كل على حدا، لاسباب امنية دون تحديد زمان وطريق العودة، وان الريفي، كما صرح هو، لم يعرف ان الحسن قد عاد الى لبنان قبل يوم واحد فقط من اغتياله ، الا بعد الاعلان عن اغتياله في حادث التفجير المذكور. ثانيا، ان التفجير حدث في حي الاشرفية وهو حي مسيحي وليس سني، وبالقرب من مكاتب حزب الكتائب وليس حزب الحريري، وان العميد الحسن كان ينام في ذلك الحي، وتحديدا في احد البيوت الاربعة التي يتنقل بينها ، ومن يعرف عن وجود هذا البيت في تنقلاته هم قلائل جدا، حتى ان الريفي ليس منهم، وان احدا لا يعرف ما هي السيارة التي يتحرك بها العميد الحسن. ثالثا، كان يفترض ان يشارك وسام الحسن ، وفق مسؤول مصري صرح لوسائل اعلام لبنانية، في دورة لضباط امنيين من عدة دول عربية، في القاهرة، الاسبوع القادم، للتباحث في كيفية التصدي لللنشاط المتزايد للحركات السلفية والقاعدية في الشرق الاوسط. رابعا، يعتبر فريق الرابع عشر من آذار ان الحسن هو رأس الحربة في مقاومة اي نشاط سوري في لبنان وهو المسؤول عن "احباط مخطط سوري للقيام بسلسلة تفجيرات في لبنان بواسطة الوزير السابق ميشيل سماحة"، المعتقل حاليا بهذه التهمة. خامسا، يعتبر فريق الثامن آذار ان وسام الحسن هو احد المسؤولين عن اتهام سوريا اولا في مقتل الحريري ومن ثم اتهام عناصر من حزب الله في ذلك، ولكن حزب الله يرى به "صندوقا اسود" لعملية اغتيال الحرير وعمليات اغتيال أخرى في لبنان بسبب تغيبه بشكل غير مبرر مقنع عن رئاسة فريق الحراسة للحريري يوم اغتياله، وانه، وهو يشغل منصب رئيس فرع المعلومات حدثت عمليات اغتيال عديدة لشخصيات سياسية دون ان يستطيع الامن الوصول الى القتلة وانما اكتفى من له مصلحة في ذلك باتهام سوريا بالمسؤولية عن عمليات الاغتيال دون دلائل. سادسا، وسام الحسن، بصفته رئسا لفرع المعلومات قام بالقبض على عدد من شبكات التجسس الاسرائيلية في لبنان، بالتعاون مع قوى سياسية اخرى في لبنان ومنها حزب الله، الامر الذي اثار غضب اسرائيل اكثر من مرة مطالبة الفرنسيين والامريكان بعدم تقديم المعدات التكنولوجية لفرع المعلومات، والتي من شانها ان تساعد على اكتشاف شبكات التجسس الاسرائيلية. سابعا، شهدت الساحة اللبنانية خلال الاسبوعين الاخيرين تحريضا غير مسبوق على حزب الله من قبل قوى 14 آذار بسبب طائرة "ايوب" التي ارسلها الحزب فوق الاراضي الاسرائيلية، وكأن الطائرة قامت بالتجسس عليهم وليس على العدو الاسرائيلي، متناسين ان اسرائيل خرقت الاجواء اللبنانية منذ عام 2006 وحتى ذلك التاريخ اكثر من 20 الف مرة بطائرات تجسس مزودة بالكاميرات والذخيرة وبطائرات مقاتلة محملة بالاسلحة وغيرها وغيرها، ولم نر منهم حملة ضد العدو الاسرائيلي!!! ثامنا، في الآونة الاخيرة، نشطت الشركات الاسرائيلية التي تنقب عن النفط والغاز في المياده الدولية اللبنانية بالذات لتقريب ساعة بدء الانتاج بالرغم من الجهود اللبنانية للتصدي للاعتداء الاسرائيلي على الحقوق اللبنانية، وقد جاءت طائرة ايوب لتجبر اسرائيل على اتخاذ اجراءات امنية متزايدة لحماية الشركات التي تعمل في البحر المتوسط. من هنا ان نتحقق من ان الجهات المستفيدة من اغتيال الحسن متعددة بل متناقضة الااستفادة والدوافع.
على صعيد آخر، وبعد مراقبة ومراجعة لما تضمنته وسائل الاعلام اللبنانية والاسرائيلية من اخبار خلال الساعة الاولى من الانفجار، يتبين ان موقع rotter.net هواول من تحدث عند الساعة 14:21عن اغتيال شخصية "ثقيلة" مقربة من الحريري، اي بعد اكثر من عشرين دقيقة بقليل من الحادث في حين صرح مصدر لبناني، وفق الموقع نفسه الساعة 14:29 ان "الحادث ليس اغتيالا وانما قد يكون رسالة الى الحريري وفريق 14 آذار". وكانت مجمل المواقع الاسرائيلية تنقل خلال الساعة الاولى خبر مقتل ثمانية اشخاص وعشرات الجرحى دون ذكر اسماء، ولكنها كانت تتهم حزب الله في النفجير مع التذكير ان الحسن يشكل رأس الحربة ضد سوريا وحزب الله، حتى جاءنا الخبر عن مقتل وسام الحسن في هذا ىلتفجير على موقع هآرتس الساعة 15:18 وذلك بناء على معلومات ادلى بها "مسؤول كبير في وزارة الداخلية " ولم يذكر مراسل هأرتس آفي سخاروف، من هو الموظف؟ ولمَن ادلى بالمعلومات؟ وتبين لاحقا ان المعلومات صحيحة، يعني ان صحيفة هأرتس عرفت بهوية المقتول قبل ان تعلن عن ذلك الجهات اللبنانية المعنية وهذا يثير الاستغراب ويتطلب التمعن.
اما ردود الفعل، فقد كانت عنيفة الى حدود سفك الدماء وهائجة الى حدود الفوضى، فقد وجهت قوى الرابع عشر من آذار خلال اجتماع طارئ لقياداتها اصبع الاتهام الى سوريا والى الرئيس بشار الاسد شخصيا، كما حملت الرئيس ميقاتي دون غيره المسؤولية الشخصية عن الاغتيال وطالبته بالاستقالة فورا، ولاحقا ، عندما وضعوا امام اتهامهم بالسعي الى الفوضى واللاحكومة، طالبوا بنقل السلطة الى حكومة انقاذ وطني يشكلونها هم ، مع التذكير بان كل محاولاتهم لاسقاط الحكومة على مدى السنوات السابقة لم تنجح . لقد وصل مستوى التحريض على سوريا وفريق الثامن من آذار وخاصة حزب الله، خلال تشييع جنازة الحسن ورفيقه الصهيوني ، على لسان السنيورة واحد مشايخ السنة واحد الشباب، الى حد التحريض على القتل والتخريب وبالفعل تحول التحريض الى فعل حقيقي ضد قوى الامن اللبنانية بالهجوم العنيف على السرايا الحكومة وبمظاهر التسلح الثقيل في شمال لبنان على مرآى ومسمع من الجيش اللبناني.
لا شك ان ردود الفعل هذه والاتهامات التي اطلقتها قوى الربع عشر من أذار ضد سوريا وحزب الله ورئيس الحكومة اللبنالنية بشكل خاص، لا تستند الى دليل حسي، بل هي ممهورة بدوافع سياسية بحتة، فترقص على الدم المسفوك لتحقيق اهدافها، او ان نظرية "المؤامرة السورية" قد سيطرت على ذهنية السنيورة والحريري ومن لفهما، فمن يعلم؟ اما نتائج هذا التحريض فهي تتساوق وتتناغم مع النتائج المتوقعة من عملية الاغتيال نفسها. فهل يشك احد ان اغتيال شخصية مثل وسام الحسن ستؤدي الى ما ادت اليه حتى الآن وربما كثر؟ لايشك في ذلك احد بغض النظر من اي فريق يكون، ومن الطبيعي في هذه الحال ان تكون النتائج هي نفسها الاهداف المرجوة من عملية الاغتيال، وهي معلومة للفاعل مسبقا.
اذا اتفقنا ان النتائج المتوقعة من هكذا اغتيال تتطابق مع النتائج المرئية حاليا والمنظورة قريبا ومع المطالب المعبَّر عنها صراحة، دعونا نحاول التعرف على صاحب المصلحة او المستفيد من حل الحكومة اللبنانية ومن سايدة الفوضى في لبنان ومن اشعال الفتنة المذهبية في لبنان؟ هل تستفيد سوريا من كل هذا؟ وهل لها مصلحة في حل حكومة ميقاتي بالرغم مما لها من عتب على هذه الحكومة؟ اليست هي حكومة اصدقائها في لبنان؟ اوليس حلها يعني سيطرة الطرف المعادي لسوريا على الحكم في لبنان؟ وهل فعلا يشكل وسام الحسن حجرا كبيرا في لعبة الشطرنج الدولية ضد سوريا؟ وهل تترك سوريا كل اعدائها الكبار في قطر والسعودية وتركيا وفي الداخل السوري لتتفرغ لوسام الحسن بالذات؟ وهل لديها اي مصلحة لاغتياله في الحي المسيحي بالذات في بيروت ؟ وهل لدى المخابرات السورية المنهمكة بالف قضية وقضية في الداخل السوري القدرة على معرفة تحركات الحسن في حين ان اقرب رفاقه لا يعرفون ذلك؟ الم تثبت الاحداث ان غول المخابرات السورية ليس اكثر من وهم في اذهان الناس وليس في الميدان؟ الم تعلمنا السنتين الاخيرتين على الاقل ان القيادة السورية لا تعمل بروح ودافع الانتقام وانما بعقل هادئ يحسب لكل خطوة حسابها القريب والبعيد، وهي تحجم عن افعال كثيرة يرغب مؤيدوها ان تفعلها انتقاما لشهداء سوريا وكرامة شعبها؟
واذا كان حزب الله هو المستفيد، فماهي الاستفادة من فقدان الحكم او المشاركة فيه لصالح الخصوم والمحرضين صباح مساء؟ وما هي الاستفادة من الفوضى الامنية والفتنة المذهبية؟ اليس حزب الله هو من يعض على الجرح ويحتمل كل التهديدات والتحريض والطعن في الظهر حتى من رئيس الحكومة وليس فقط من خصومه ، منعا لاندلاع الفتنة التي يخطط لها اعداء لبنان واعداء حزب الله؟ وهل حزب الله من الغباء ليقوم بعمل من هذا النوع وهو يعلم ان خصمه والاعداء هم المستفيدون؟
الفرضية الثالثة تقول ان التنظيمات السلفية هي المستفيدة من اغتيال العميد الحسن على اعتبار انه مسؤول الى حد كبير في تحديد نشاطها في لبنان، وانه ملتزم ببرامج مستقبلية لمحاربة نشاطاتها سويا مع قوى امنية عربية أخرى وفق ما جاء على لسان المسؤول المصري، كما ذكر آنفا. فهل تستفيد الجهات السلفية من حالة الفوضى الامنية في لبنان؟ وهل تستفيد من تغيير الحكم في لبنان لصالح قوى 14 آذار؟ وهل تصفية وسام الحسن يمكن ان تشكل رسالة الى باقي رؤساء الاجهزة الامنية بالابتعاد عن نشاطات السلفيين والقاعدة في لبنان؟
اما الفرضية الرابعة فهي ما حاول سمير جعجع ان ينفيها قبل ان يتحدث عنها احد وهي فرضية ان تكون اسرائيل هي الجهة الفاعلة وهي الجهة المستفيدة من هذا الاغتيال. أليس لوسام الحسن دور كبير في كشف شبكات ىالتجسس الاسرائيلية في لبنان، والقبض على ومحاكمة العشرات من اعضاء هذه الشبكات؟ اليست الفتنة المذهبية والفوضى السياسية حالة تسمح لاسرائيل بالعودة الى لبنان لتجنيد المزيد من العملاء ضد حزب الله ؟ وهل من الصدفة ان الاعلام الاسرائيلي ركز اتهامه ضد حزب الله وليس ضد سوريا كما فعل فريق 14 آذار؟ اليست اسرائيل هي المستفيد من غياب حكومة لبنانية تزعج عمليات التنقيب وسرقة الغاز اللبناني من البحر المتوسط؟ فوق هذا وذاك، لماذا ننسى ان عملية التفجير حدث في اوج عملية مناورات وتدريبات اسرائيلية امريكية على الحدود اللبنانية بالذات، وهي ترسم سيناريو الحرب ضد لبنان وسوريا، وفي حين ان كل اجهزة المراقبة والمعلومات عالية التطور مشغلة بشكل مشترك ضد لبنان وسوريا وان مكان التفجير لا يبعد عشرات الكيلومترات من مكان تواجد وتدرب الجنود الامريكان والاسرائيليين في اضخم تدريبات شهدتها الحدود اللبنانية بين هاتين القوتين؟
نعم، في غياب الدليل الحسي، لا بد من السؤال من المستفيد، ولكن الاجابة الكسولة على هذا السؤال قد توقعنا في مطب نظرية المؤامرة، او التعصب السياسي الاعمى كما فعل فريق 14 آذار، ولذلك لا بد من طرح المزيد من الاسئلة وترك الاجوبة مفتوحة لمزيد من الاجتهاد.

 

اليف صباغ
مدونة حيفا برس

 

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير
الاسم الكامل :
مكان الاقامة :
التعليق :
هام جدا : أدارة الموقع لا تنشر اي تعقيب فيه تجاوز لقانون القذف والتشهير, وتقع المسؤلية على كاتب التعقيب
Copyright © almadar.co.il 2010-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع المدار الاول في الشمال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت
X أغلق
X أغلق