عن الدجاج السياسي... بقلم سميح غنادري
2012-08-02 10:03:55

إحدى الدلائل التي تزيد من تأكيد كوننا، نحن العرب الفلسطينيون في إسرائيل، جزءاً لا يتجزأ من الشعب العربي الفلسطيني وأمتنا العربية، هي حزبية قبائلنا وقبلية أحزابنا وأصوليتنا المتخلفة، فكريا ودينيا، وتعاملنا اللاديمقراطي واللاأخلاقي مع الذات ومع "الآخر" الذي هو منـّا وفينا. فهنا، كما هناك، نخرج للسباق بعد أن نطلق الرصاص على أرجلنا ونعلنها معارك دونكيشوتية ضد الذات متسترين بضجيج راديكالية خطاب "المعركة الوطنية الجامعة" التي نشنـّها ضد بعضنا البعض في الأساس، مستبدلين الراية الخضراء الحمراء السوداء البيضاء، براية داحس والغبراء.
 هذا مع فارق جوهري بين هنا (العرب في إسرائيل) وهناك (الوطن العربي)، والفارق هو أننا نفعل هذا هنا بحق بعضنا بصفاقة وخساسة وعنجهية استقيناها من إسرائيل اليهودية – الصهيوينة، بصفتنا "أولادها" منذ احتلال 1948. ثم نتشدق عن تخلف العالم العربي وقبليته وغياب الديمقراطية وأخلاقية التعامل بين أحزابه...
 قبل مدّة كدنا نحيل معركتنا الجامعة ضد الخدمة الإلزامية الأمنية والمدنية إلى معركة داخلية مفتعلة بيننا، متهمين زورا وبهتانا من قادها ونظمها بتوكيلنا الجماعي، بالانحراف والانبطاح إلى حد التأسرل والتصهين. وأعلنا "العصيان المدني" إذا ما جرى إصدار قانون يلزم بالخدمة، رغم معرفتنا جميعا أننا أعجز من القيام بذلك. لكن ما من رباط على الجملة الثورية التي تـُطلق لمجرد إطلاقها من الصالونات الحزبية المكيّفة.
 أما حين تدق ساعة العمل، فنعجز عن التجنيد الجماهيري لمظاهرة وحدوية تواجه قطعان عصابة مارزل الفاشية التي أرادت اقتحام الناصرة. "تنطلق" ثلاث "مظاهرات" في ثلاثة أماكن مختلفة، تعجز كل واحدة منها عن تجنيد ما يزيد عن عدد أصابع اليدين والرجليْن.
 وها نحن نسلك النهج نفسه في رد فعلنا على إقدام ميخائيل بن آري على حرق "الإنجيل" داخل غرفته في مبنى الكنيست وإلقائه في سلة المهملات، وقيام عضو البرلمان أحمد الطيبي بتمزيق صورة الرابي الفاشي "كهانا" من على منصة الكنيست والدوس عليها. فبدلا من شنـّها معركة وطنية وحدوية وإعلامية، محليا وعالميا، ضد هذا السقط الصهيوني العنصري، يشنـّها بعضنا معركة شعواء منفلتة ضد... الطيبي بالذات!
 وفي الوقت الذي تغمرنا فيه المواقع الإلكترونية الصهيونيى بقيء فاشي "يودينازي" بحق العرب عموما والطيبي خصوصا، إلى حد التهديد السافر والمباشر بقتله، تنتشر في بعض صحفنا ومواقع التواصل الاجتماعي تصريحات وتعليقات ومقالات بحق الطيبي... تثير التقزز والرغبة بالتقيؤ.
 وحين يقوم بهذا، في الأساس، أعضاء ومؤيدو ومقربو تيار سياسي رفع راية القومية والديمقراطية واليسارية ودعا إلى إعادة بناء وتوحيد الحركة الوطنية، أجدني أنا المقرب لذاك التيار أقول: رفقا بتياركم إن لم يكن بوحدتنا الوطنية، وأسكتوا هذا الانفلات الساقط لبعض أولادكم.
 بدأ الانفلات باتهام الطيبي بالمسرحانية والمشهدانية والترفيه السياسي، مرورا بأنه يدافع عن المسيحية بهدف جني الأصوات، وصولا إلى أنه يشبّه الإنجيل بكهانا ويسيء للمسيحية لأنه يقابل الشر بالشر بدلاً من التسامح، وبناء عليه سيناله عقاب الله، وانتهاءً بأن من يكتب الخطابات للطيبي هو مستوطن... إلخ.
 لست محاميا عن الطيبي، ولا مقربا للحركة السياسية التي يرأسها. ولكن عن الوحدة الوطنية لشعبي وعن أخلاقية النقد وحق الاختلاف أحاجج، فأقول: العار والشنار لهكذا سقط أخلاقي في النقد. وإذا كان البعض قد اتهم الطيبي بأنه فعل ما فعل لكسب أصوات وتأييد المسيحيين، أقول له: هذا القيء النقدي هو الموبوء بالحزبية القبلية واللهاث وراء كسب الأصوات. وما هذا إلا تعبير عن فزع الناقد من أن يكون تصرف الطيبي قد أكسبه احتراما وتأييدا أوسع بين الناس. وقد أكسبه حقا.
 ما الذي فعله الطيبي؟ هو لم يخطب خطابا لاهوتيا دفاعا عن المسيحية والإنجيل، بل ضد نهج صهيو- نازي لا يتورع عن حرق الكتب المقدسة. ورأى في حرق الإنجيل اعتداءً على العرب عموما بمسلميهم ومسيحييهم. ولم يقم الطيبي بتمزيق "التوراة" والدوس عليها حتى نتهمه أنه "قابل الشر بالشر"، وإنما مزق وداس على صورة كهانا، في إشارة ذكية منه إلى أن القضية ليست حرب ديانات وكتب مقدسة، وإنما قضية ديدان عنصرية نبتت وترعرعت في مستنقع أيديولوجي نتن، علما بأن كهانا هو الأب الروحي لبن آري.
 وأعقب الطيبي خطابه بشكوى قام بتقديمها إلى إدارة الكنيست مطالبا بمقاضاة من مزق الإنجيل. أي أنه تصرف في فحوى خطابه وما تلاه من خطوات، كما تصرف أعضاء كنيست عرب آخرون من كل الأحزاب والحركات الوطنية. فما الداعي إذاً لهكذا سقط وخساسة في التهجم على شخص الطيبي بالذات؟ جوابي أن فتشوا عن صغر العقل الكامن وراء قبلية الأحزاب وحزبية القبائل. وفتشوا عن غيرة تنهش البعض لأن الطيبي ينجح، من خلال الحدّة العقلانية والإثارة العاطفية والحجج الدامغة وعدم النشوفة في خطاباته، بالوصول إلى أوسع فئات الناس وإلى اختراق وسائل الإعلام.
 أما الادعاء بأن تمزيق صورة كهانا ما هي إلا حركة مسرحية، فنجيب عليه بأنها ضربة معلم. ويجوز اتهام البعض بالحركات البهلوانية والمسرحية إذا ما كانت هذه هي الفحوى لممارساته، أما إذا كانت الحركة (ولنقل إنها مسرحية) تتويجا لخطاب ذي فحوى صادقة وتساعد على وصوله إلى الناس واختراقه لوسائل الإعلام... فطوبى لمن يجيد ذلك، لما فيه صالح قضيتنا العامة.
 أما لمن يفهم المسيحية وتسامحها بأنها دعوة للخنوع وللاستسلام ولعدم المقاومة، فحري به أن يقرأ الإنجيل وسيرة المسيح والرّسل، وألا يقف عند جملة "من ضربك على خدك الأيمن، فأدر له الأيسر"، مفسرا إياها تفسيرا آخر حتى يتهم الطيبي بمخالفة المسيحية لتمزيقه صورة كهانا. إذا، بناء على هذا المنطق المريض، يجب اتهام كل شعبنا بأنه يخالف المسيحية ويمس بها لأنه يناضل ويقاتل ضد التمييز والاحتلال وشتى أنواع الظلم.
 وبعد، في الصيف الماضي حين حوّلت بعض أحزابنا مسألة مشاركتنا كأقلية قومية في الحراك الاجتماعي في إسرائيل، إلى حرب ضروس ضد بعضنا البعض، كتبتُ عن "الدجاج السياسي". عن هذا المخلوق قليل الحركة شحيح الفعل كثير النقنقة، الذي يستمرئ العيش في القفص ولا يرى أبعد من قفاه، حين يدلي برأسه على الأرض باحثا عمّا يأكله. هناك يأكل، وهنا يفرّغ أوساخ معدته. وإذا ما تصادمت دجاجتان في سباقهما لالتقاط دودة لتأكلاها، تنفجر حرب ضروس بينهما وهما غافلتان عن ثعلب يتربص بهما لالتهامهما معا.
 إذا ما كان نقـّاد الطيبي ديوكا حقا، فليناقشوه فكريا وسياسيا بدلا من هذا النقد الرخيص (بل القذف) بحقه، والذي يرفع من أسهم الطيبي ويفضح ضحالة وبؤس مستوى نقدهم – الأصح نقنقتهم. وإذا ما كانت النقنقة في الأقفاص الحزبية القبلية هي النهج لقيادة أقلية قومية تعيش في دولة يهودها، فكيف سنحمي عندها ذاتنا الجمعية كشعب أمام هجمة ثعالب وذئاب عنصرية تريد التهامنا فرادى وجمعا؟
كفانا الله شر الدجاج السياسي!

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير
الاسم الكامل :
مكان الاقامة :
التعليق :
هام جدا : أدارة الموقع لا تنشر اي تعقيب فيه تجاوز لقانون القذف والتشهير, وتقع المسؤلية على كاتب التعقيب
Copyright © almadar.co.il 2010-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع المدار الاول في الشمال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت
X أغلق
X أغلق