هل حققت اسرائيل اهدافها في غزة ؟ بقلم اليف صباغ
2012-03-15 21:12:59

هل تعاني حماس من مظاهر الاكتئاب الذي عانت منه فتح في بداية التسعينيات؟

لم يختلف اثنان ان التفاهم الاسرائيلي الفلسطيني بوساطة مصرية لن يصمد، كما لم يصمد أي تفاهم او اتفاق مثله من قبل، وقد نعت اسرائيل هذا التفاهم الرمادي وغير المكتوب منذ اللحظة الاولي عندما صرح المبعوث الاسرائيلي عاموس غلعاد ان اسرائيل لم تلتزم بوقف الاغتيالات ولحق رئيس الحكومة  ليؤكد ان اسرائيل ستلاحق كل من "يفكر" او "ينوي" المساس بأمنها، وهل يوجد فلسطيني لا ينوي الدفاع عن نفسه؟ وكيف سنفند حجة اسرائيل اذا ادعت ان فلان كان "يفكر" في المساس بأمنها؟  ولا يختلف عاقلان ان العدون الاسرائيلي الاخير على قطاع غزة جاء في ظروف عربية وفلسطينية مؤاتية جدا، ففي حين انشغل الحكام العرب في تجييش العالم الغربي و"الأمة السنيّة" والحركات السياسية الاسلاموية التكفيرية ابتداءا من الوهاببين والسلفيين مرورا بالاخوان المسلمين وصولا الى القاعدة او بالاحرى القواعد على اختلاف ارتباطاتها المخابراتية ودعائمها المادية، بهدف اسقاط النظام السوري "العلوي" في نظرهم، وتنصيب حكام جدد يمكنهم الاندماج في شرق اوسط جديد لا يهدد الانظمة النفطية الرجعية كما لا يهدد حليفتهم الكبرى وسيدة نعمتهم، الويلات المتحدة الامريكية. ما يؤكد ذلك ان وزراء الخارجية العرب تنادوا على عجل واجتمعوا في القاهرة ، بقيادة حمد ونبيل، مع وزير الخارجية الروسي لافروف في ظل القصف الاسرائيلي لقطاع غزة، والهدف؟ هو تغيير موقف روسيا المساند لشقيقتهم سوريا من اجل اسقاط الرئيس بشار الاسد "العلوي"، وقد سخروا كل طاقاتهم لأجل ذلك،  دون ان يصدروا ولو موقفا من العدوان الاسرائيلي على غزة او حتى التذكير به. فهل كانت اسرائيل تحلم بظروف افضل مما وفرها لها هذا "الربيع" العربي؟
ولأن من عادة الفلسطينيين ان يقلبوا صفحة كل عملية عسكرية او حرب يواجهون بها اسرائيل دون تقييم لأهدافها وادواتها وطابعها المميز .....الخ، لا بد لي من فعل ذلك هنا وان لم أكن مسؤولا في أي تنظيم او سلطة.
ما ميز العدوان الاخير وقبل ان تتضح اهدافه الحقيقية، وبالرغم من عرضه اعلاميا وكأنه ردة فعل، او عملية عسكرية محدودة، هو شمولية التخطيط والتنفيذ. أي، حملة عسكرية من البر والبحر والجو، بالاضافة الى حملة اعتقالات في منطقة الخليل من الضفة الغربية المحتلة، ترافقها حملة دبلوماسية دولية واقليمية اسكتت كل من يمكن ان يندد او يعترض على العدوان، وتجنيدا شاملا لوسائل الاعلام الاسرائيلية منذ اللحظة الاولى وحتى اللحظة ما بعد الاخيرة مع تجند اكثر الاعلاميين الاسرائيليين خبرة في الحرب النفسية تجاه المواطن الاسرائيلي او العربي، ولم ينس الاعلاميون ضرورة فحص ردود الفعل والاجواء النفسية لدى الطرف الأخر للتعرف على التأثير النفسي على القوى السياسية او الشعبية الفلسطينية بحثا عن شقوق يمكن ان تدق فيها اسافين الفرقة الدائمة. في الوقت ذاته بادرت الحكومة الاسرائيلية الى تقديم الوعود بالتعويض للاسرائيليين من اصحاب الممتلكات الخاصة او العمال او اصحاب العمل الذين تضرروا من الحملة العسكرية هذه، كما لاحظنا تجند خبراء علم النفس الحربي، إن كان من خلال استديوهات وسائل الاعلام او ببث مباشر أعد له مسبقا من المدارس وأماكن اخرى في جنوبي البلاد، بحيث بدت العملية العسكرية المحدودة للمراقب المختص وكأنها بداية حرب طويلة الامد. ويبدو ان حكومة اسرائيل استعدت، ضمن سيناريوهات استعداداتها لهذا العدوان، لأن لإمكانية تدحرج هذه العملية الى حرب أكبر، وربما كانت ترى فيها تمرينا حربيا كاملا لحرب منتظرة، أي تطبيق حي وليس مجرد مناورة عسكرية، وهذا ما يطلق عليه في اسرائيل ب "الأمن الجاري"، أي، القيام بتدريبات حية في أرض العدو وعلى حساب دماء أطفاله وأرواح ابنائه، بين الحين والآخر، وهو فصل ومركب اساس في العقيدة العسكرية الاسرائيلية؟ أي، عمليات عسكرية ليس لها اسباب وانما لها أهداف تكتيكية واستراتيجية في آن معا.
ان من تابع الاعلام الاسرائيلي خلال ايام العدوان ويتابعه اليوم ايضا يستطيع ان يحدد اهداف العدوان وما اذا كانت اسرائيل قد حققت اهدافها ام لا، وبالتالي يحدد الاسباب التي دعتها الى وقفه، ولو لم يكن بالكامل، بعد اربعة أيام من القصف الدموي وفق تفاهم رمادي غير مكتوب. وفي اعتقادنا ان للعدوان اهدافا عسكرية وسياسية عدة تكمن فيما يلي:
أولا، اختبار فاعلية منظومة القبة الحديدية، وفي هذا يجب ان نذكر ان وزارة الحرب الاسرائيلية كانت في منتصف شباط الماضي قد اوقفت شراء ثلاث بطاريات لمنظومة القبة الحديدية بسبب نقص في الميزانيات، وبسبب الشك الامريكي في فاعلية هذه المنظومة، باهضة الثمن، مقابل الصواريخ الفلسطينية الرخيصة، وفي تقديرنا ان اسرائيل امتنعت عن القيام بعدوانها هذا قبل زيارة نتانياهو الى واشنطن، ولكنه اصبح ممكنا، وربما ضرورة، بعد عودته مباشرة، خاصة ان امريكا ابدت شكا في قدرة اسرائيل على مواجهة الصواريخ الايرانية او صواريخ حزب الله وحماس في حالة نشوب حرب كبرى. من هنا رأينا انشغالا اعلاميا وعسكريا كبيرا في اداء منظومة القبة الحديدية حتى وصلت التقييمات الى حد المبالغة المفضوحة والهدف من ذلك هو تجنيد الاموال اللازمة وشراء المزيد من المنظومات من الشركات المصنعة من جهة واقناع الولايات المتحدة والشعب الاسرائيلي بامكانية خوض حرب اوسع واكبر، وستثبت الاسابيع القريبة ما اذا كانت ستجد وزارة الحرب الميزانيات مجددا لشراء منظومات جديدة. هذا مع العلم ان الجيش الاسرائيلي يستخدم حتى الآن ثلاث منظومات فقط ويخطط لشراء واستخدام 13 منظومة تصل تكاليفها، مع القذائف الضرورية لها، الى مليارات الدولارات. فهل يتجدد الحراك الاجتماعي الاسرائيلي في تل ابيب، كما كان متوقعا مع حلول الربيع، أم ان قيادة هذا الحراك ستلتزم الصمت لأن الجيش اكثر حاجة الى الميزانيات من الازواج الشابة؟
الهدف الثاني، يكمن في اختبار هوية حماس ومصر الاخوانية –السلفية، في ظل ارتباط وتأثر حماس بالاخوان المسلمين، الذين يتزايد نفوذهم خاصة بعد تسلمهم للحكم في مصر وتونس، فهل تشهد حماس تحولا لتصبح حركة سياسية "عقلانية" و"واقعية" كما تحولت فتح في بداية التسعينيات؟ ام انها تاخذ اتجاها اكثر عنفا تجاه اسرائيل؟ انه في الوقت ذاته إختبار لرد فعل الاخوان على أي عدوان اسرائيلي في ظل ما يسمى بالربيع العربي وتوجهاتهم المستقبلية بعد الوصول الى الحكم. ويبدو جليا للمتابع ان عددا من المحليين السياسيين في اسرائيل، وخاصة اولئك الذي يبحثون او يتابعون الحالة العربية تابعوا ذلك وفوجئوا ان الاخوان، وخاصة في مصر، لم يختلفوا عن النظام المصري السابق، بل تركوا أمر معالجة العدوان على غزة الى طواقم النظام السابق وبالنهج نفسه، هروبا من المسؤولية ودون ان يحملوا انفسهم أي عبئ في ذلك.
اما الهدف الاسرائيلي المباشر من هذا الاختبار، فيتمثل في محاولة عملية وميدانية لتحريك حماس من موقعها على مفترق طرق هام الى اتخاذ القرار الصعب، إما ان تعود الى ما كانت عليه تنظيما مقاتلا، او ان تنتقل الى موقعها الجديد، موقع المهادن والمساوم و"المسؤول" و"المعتدل" ، هذا الخطوة، من وجهة النظر الاسرائيلية، لا تحتاج الى مزيد من التحليل او التأجيل وعلى حماس ان تقرر. هذا الموقع الجديد هو ما وُعِدت به اسرائيل عشية صفقة شاليط، وهذا مطلبها اليوم، وهو الامتحان نفسه الذي واجهته حركة فتح في بداية التسعينيات عشية اوسلو وبعد اوسلو. بمعنى آخر، كان على حماس ان تثبت قدرتها على ضبط النفس واستعدادها للدخول في انفاق التسويات مقابل احتفاظها بالحكم في القطاع، في ظل نظام شرق اوسطي جديد يكون فيه الحكم للتنظيمات الاسلاموية المستعدة للتفاهم مع الولايات المتحدة واسرائيل ضمن تقاسم وظيفي معين، مع توجيه النيران الى "عدو مشترك" هو ايران والشيعة وحزب الله والنظام السوري "العلوي" على حد قولهم. حماس بدت في ظل هذا العدوان كما كانت فتح في بداية التسعينيات خلال اوسلو او بعدها، ونجحت في الامتحان من وجهة النظر الاسرائيلية، ومن هنا جاء تصريح ليبرمان، وان كان فيه شيء من الامنية اكثر من الواقع، ان قطاع غزة قد فصل عن الضفة الى عقود قادمة. مع ذلك ربما بدت حماس ، من وجهة النظر الفلسطينية، اسوأ من فتح التسعينيات، لان فتح الرئيس عرفات لم تتخل عن العراق في ظل الهجوم الدولي والعربي عليها،  بينما تخلت حماس عن سوريا وايران واعلنت مسبقا انها لن تقصف المواقع الاسرائيلية اذا ما وقع العدوان على ايران او سوريا او حزب الله، ولأن فتح لم تتخل عن الكفاح المسلح بسرعة، بينما تخلت حماس حتى عن نصرة اخوانهم من ابناء الجهاد الاسلامي في ظل عدوان اسرائيلي دموي. المفاجئ في نظر اسرائيل هو موقف الاخوان والسلفيين في مصر، لا جديد في الموقف المصري في ظل الحكم الجديد، وهذا مريح جدا لاسرائيل، بل هو مشجع للاستمرار في السياسة نفسها في المستقبل.
اخيرا، ربما اجازف اذا قلت: ان احد اهداف العدوان الاسرائيلي ايضا هو محاولة الضغط على سلطة  ابومازن وإعادتها الى طاولة المفاوضات بالشروط الاسرائيلية، خاصة وان السلطة تحولت الى واسطة للتهدئة. اسرائيل لم تتردد ، حتى في اليوم الاول من عدوانها، من اقتحام منطقة الخليل واعتقال عدد من الاسرى المحررين، دون أي اعتبار للسلطة الفلسطينية او اي رد فعل منها. في الحقيقة، لم يتضح لأحد بعد، ما اذا ان كانت هناك اتصالات من تحت الطاولة مع السلطة لاعادتها لطاولة المفاوضات العبثية، ولكني لا استبعد ان تكون امريكا والانظمة الرجعية قد قامت بالضغط على ابو مازن للقبول بالعودة مقابل وقف العدوان وربما حماس موافقة على ذلك ايضا.
خلاصة الامر، ان انتهاء العملية العسكرية بتهدئة هشة اصلا كتفاهم مبهم لا قيمة له، وان عتبرته "الجهاد الاسلامي" انتصارا، فهو انتصار وهمي واعتباطي بامتياز. "هدوء مقابل هدوء" من الذي فرض المعادلة؟  واسرائيل  تؤكد مباشرة انها مستمرة في سياستها بملاحقة كل من "ينوي" او "يفكر" او "يخطط" للقيام بعمل ضد اسرائيل، وهذا يعني ان اسرائيل مستمرة في التذرع "بنية" المقاومة او انها "تخطط" او "تفكر" ب......والاهم من كل ذلم هو سعي اسرائيل الدائم لأن يذوت  العالم كله، والعرب بشكل خاص، والفلسطينيون ايضا، بشرعية "محاسبة" المقاومة على ما "يفكر" افرادها او "ينوون" او "يخططون"، ويبدو ان العالم والانظمة الرجعية العربية، بما في ذلك الانظمة الاسلامية الجديدة، قد ذوتت ذلك وهي تعلن عجزها المستمر عن مقاومة اسرائيل من خلال استجداء التهدئة وفق الشروط الاسرائيلية، والانكى من ذلك، او المحزن المبكي، انها تسمي الوصول الى تهدئة انتصارا "للحكمة" و"التعقل" و"الدبلوماسية" و"الواقعية" ، وهي في الحقيقة تجسيد حسي  للهزيمة الميدانية والنفسية وتعبير عن العجز العربي والاسلامي استمرارا لما سبق....
فهل حققت اسرائيل اهدافها؟ الجواب: نعم...

اليف صباغ مدونة حيفا برس
15.3.2012

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير
الاسم الكامل :
مكان الاقامة :
التعليق :
هام جدا : أدارة الموقع لا تنشر اي تعقيب فيه تجاوز لقانون القذف والتشهير, وتقع المسؤلية على كاتب التعقيب
Copyright © almadar.co.il 2010-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع المدار الاول في الشمال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت
X أغلق
X أغلق