بمناسبة ذكرى سقوط ترشيحا عام 48: إن الحياة لا تحب العاجزين!
2011-10-29 09:20:00

ترشيحا ليست ككل قرية فلسطينية، كما أن فلسطين ليست ككل الأوطان....مقارنة أو تشبيه مبالغ فيه يقول بعضكم، خاصة وان ترشيحا ليست قريتي أما فلسطين فهي وطني. وطني الذي أحب وأهوى واعشق.

نعم ترشيحا ليست قريتي، واعترف انني احب قريتي ، البقيعة، واهوى ينابيعها العذبة وحواكيرها المروية وبساتينها، واشتاق الى العنب المتعربش فوق أشجار الميس الخضراء، وأتلذذ  برمّانها خالي البذور ولا اتنازل عن الديوان تحت التوتة بجانب عين البلد،  لكن ترشيحا هي فلسطين الصغيرة.

اليوم يحيي اهالي ترشيحا، ومعهم كل اللاجئين التراشحة في الشتات، وكل شعبهم، ذكرى سقوطها في أيدي المحتلين عام ثمانية وأربعين وتسعمائة وألف، عام "النكبة"، وان كنت لا أحب هذه التسمية، أقول: لا أحب التسمية لأن النكبات تحدث بفعل الطبيعة، أما احتلال فلسطين وتهجير أهلها لم يكن بفعل الطبيعة، بل بفعل الوحوش البشرية، الحكومات والاستعمار الاجنبي (العصابات القانونية) والتخاذل وحتى التآمر العربي والتناحر الفلسطيني الداخلي.

هي ترشيحا، بلد الآلاف الخمسة قبل عام 48، واكثر من خمسين الف في الشتات اليوم، غالبيتهم من المسلمين واقلهم من المسيحيين، بلد التعايش الحقيقي والاحترام المتبادل ولا فرق بين "اقلية" و"اكثرية"، كلهم ابناء ترشيحا. بلد الزراعة المتميزة قبل الاحتلال ، وبلد النواة الصناعية في الجليل وما تزال حارة الحدادين تشهد على ذلك. ترشيحا البلد التي احتضنت الثوار عام 36-39 وهي التي احتضنت جيش الانقاذ عام 48 ، وهي البلد التي قُصِفت بيوتها من الجو فوق ساكنيها وكان احد الطيارين الصهاينة هو داعية السلام لاحقا، ايبي ناتان، وما تزال السيدة فاطمة هواري، التي تجلس على كرسي العجلات من جراء ذلك القصف، وبطلة فيلم "عروس الجليل"، شاهدة حية على أدق التفاصيل. ترشيحا المدرسة التي تخرجت منها الأجيال تلو الأجيال منذ الإنتداب وحتى اليوم، وان تراجع مستواها في السنوات الأخيرة،  "بفضل" البلدية المشتركة و"رعاية" رئيسها بعينه التي لا تنام ! نعم ،هي ترشيحا بلد الموسيقى والفنون الجميلة وابناؤها الموسيقار العالمي سيمون شاهين ونسيم دكور قائد فرقة ترشيحا للموشحات، والفنان ابراهيم عزام والراحل حكمت شاهين وغيرهم يشهدون على ذلك. 

اليوم يحيي أهالي ترشيحا للمرة الثامنة ذكرى سقوطها، وهي آخر البلدات الفلسطينية التي سقطت في ايدي المحتلين. ويتساءل البعض، وماذا فعلوا منذ عام 1948 حتى 2004؟ السؤال وجيه والجواب صعب. كانت الغالبية منهم تخاف وتحسب ان للحيطان آذان صاغية وعيون تراقب الجميع. ليس هذا وحسب، بل كانوا يشاركون سكان معلوت التي أقيمت فوق أرضهم فرحة ذكرى إقامة المدينة. على اعتبار أنها مدينة مشتركة، أليس كذلك؟ ويا ويل ...من لا يرسل ابنه او ابنته ضمن وفد مدرسي شامل للتلويح بالعلم الاسرائيلي أمام بلدية معلوت احتفالا ب"عيد الاستقلال". تصوروا ان اليهود يسمونه بالعبرية "يوم" الاستقلال، وفي اللغة العربية يسمونه "عيد"، والمقصود هو ذكرى النكبة او الاحتلال، اليست هذه مهزلة؟ هل يوجد شعب في العالم يُلزم بالتلويح بعلم محتلي أرضه؟ وسارقي خيراته؟ ومصادري سيادته؟ كل هذه التناقضات وغيرها تراكمت وتحاشرت فتصارعت في وجدان وعقول الجيل الجديد من شباب وصبايا ترشيحا، وكان لا بد من  اتخاذ القرار الصحيح، لن تستمر المهزلة! وهم اليوم من يقود هذه المسيرة الشاقة ولكنها الملهمة للأجيال القادمة وشعارهم ، "ترشيحا باقية بهويتها العربية للأبد"، وكلنا على ثقة ان يوم تحقيق الهدف ليس بعيدا.

ليس هذا  فقط، بل ما يجعلني ارى ترشيحا نموذجا مصغرا لفلسطين، وخاصة لفلسطينيي ال 48، هو ان ترشيحا ملكت ما يزيد عن 64 الف دونم من الارض ووصلت املاكها من وسط الجليل الى شاطئ الزيب على البحر المتوسط، منهم 15 الف دونم مسجلة باسم اهالي ترشيحا، والمجلس المحلي، الذي اقيم عام 1922،مؤتمن عليها. على أراضها الواسعة اقيمت 14 مستوطنة يهودية لغاية الآن، ولا احد يعلم ماذا يخبئء لنا المستقبل، منهم مستوطنات "عين يعكوف" المجاورة حتى ان ارض السوق المشهور في ترشيحا يتبع تلك المستوطنة، "جعثون"، "الكابري"، "يفيه نوف" التي تزاحم اهالي ترشيحا على ما تبقى لهم من ملك خاص، "كفار فراديم" وهي مشروع مدينة كبيرة تبنى على مراحل وقد تم تغيير اسمها من مدينة الورود الى قرية الورود للتقليل من خوف واعتراض أهالي القرى المجاورة، وها هي تتسع لتقترب من مدينة، ومستوطنات اخرى، ولكن أهم المستوطنات واخطرها التي اقيمت على اراضي ترشيحا هي "معلوت". لأن سكان معلوت الاوائل استوطنوا قبل اقامتها في ترشيحا واحتلوا منازل اللاجئين الفارغة، منهم من هاجر من رومانيا وآخرون من هنغاريا ودول اخرى. في الستينات، مع اقامة معلوت، لحق بهم اليهود المغاربة، وهم من اصل بربري، وفي السنوات الأخيرة أصبح اليهود الروس مركبا أساسيا في المدينة.

يهود معلوت يحبون "التعايش" مع العرب، ولذلك اقامت لهم حكومة اسرائيل بلدية مشتركة مع ترشيحا. هل حبا في التعايش فعلا؟ هذه هي الكذبة الكبرى ومن هنا جاء العنصر الاساس في التشبية والمقارنة. تقول الوثيقة الاولى لتأسيس معلوت، ان اقامة معلوت ودمجها مع ترشيحا تهدف الى "الغاء الكيان المستقل للقرية العربية ترشيحا". وكيف لا؟ فلاجئوا ترشيحا تركوا عشرات الاف الدنمات من الاراضي الخصبة وراءهم، ومئات البيوت الفارغة التي يمكن ان تقدمها الحكومة الاسرائيلية الى من بقي من اهالي ترشيحا بدل اراضيهم الشاسعة التي تمت مصادرتها بقوة القانون، الم يقل الشاعر الفلسطيني نايف سليم: "قد يسحبون حديد السقف ذات   ضحى باسم قانون هنا مرن" ؟. وكيف لا، وقد قدمت لهم هذه الشراكة سيطرة كاملة على 15 الف دونم أصبحت مسجلة باسم المجلس البلدي "المشترك"، والذي ورث مجلس محلي ترشيحا وفق القانون؟  أليست هذه الصورة الصغرى أشبه بالكبرى؟

تعايش، كلمة تبدو جميلة، ولكنها في المضمون وفي حالتنا العينية، هي سرقة قانونية في وضح النهار. قد يقول البعض: هرمنا وما استطعنا ان نفعل شيئا، وأقول لهم، بوركتم بأبناء أبوا أن يكونوا وارثين للعجز، لأن العجز هو المحطة الأخيرة قبل الموت، أبوا الا ان يكونوا أبناء الحياة، وأبناء المستقبل، فباركوا مسعاهم ولا تشككوا في النوايا. ان الحياة أمل وحلم وعطاء، إن الحياة لا تحب العاجزين!    
اليف صباغ- مدونة حيفا برس

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير
الاسم الكامل :
مكان الاقامة :
التعليق :
هام جدا : أدارة الموقع لا تنشر اي تعقيب فيه تجاوز لقانون القذف والتشهير, وتقع المسؤلية على كاتب التعقيب
Copyright © almadar.co.il 2010-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع المدار الاول في الشمال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت
X أغلق
X أغلق