أطفال يدفعون ثمن الخيانة ! كتبت رانية مرجية
2011-08-20 17:10:56

عندما تدخل السوق في مدينة الرملة لا تملك إلاّ أن تشعر بالشفقة على الأطفال الذين يجرّون العربات ويتم استغلالهم بأبشع الصور من قبل مشغليهم، أغلبهم من الضائعين المهمشين منحنيي الظهور ومنكسري القلوب أبناء لعملاء أتت بهم اسرائيل من الضفة والقطاع وأسكنتهم مدينة الرملة ولم يتأقلموا في المدارس ليجدوا أنفسهم بالسوق يجرّون عربات الزبائن ويكسرون ظهورهم دافعين ثمن خيانة ذويهم مما تبقى لهم من كرامة وعزّة نفس وصحة. 


 
تجولت بسوق الرملة واستمعت لمأساة الصغار التي تبكي الحجر وليس فقط القلب البشري وبينك وبين نفسك لا تملك إلاّ أن تلعن ذويهم وتقرّ بواقع أن من يخون وطنه من السهل جدًا أن يستمر بالخيانة حتى ليس مستغربا عليه أبدًا أن يتاجر بابنه   بتشغيله بالعتالة وحرمانه من حقه بالتعليم.
عشر ساعات و25 شيكلا 
وصلت إلى السوق حوالى الساعة العاشرة صباحا كان ن وهو في الثامنة يجر عربة مليئة بالخضار تقربت منه بعد أن رأيت ملامح التعب على وجهه الحزين وعلامات العنف على جسده الغض النحيف وسألته وهو يجر عربة أكبر منه، ما الذي أوصلك للعمل هنا..؟ قال بصوت ضعيف مهزوز لأني..!! وصمت !!... وقال لي بتوسل وبلغة الشارع بلاش صورتي يشوفها حدا..؟ وتابع... لو بقينا في رام الله ولم يأتي بنا أبونا إلى هنا، لبقينا في المدارس، وتنهّد طويلاً عندما سألته كم تتقاضى من أجرٍ لقاء عشر ساعات عمل ؟؟ قال على حسب الزبون، أحياناً لا يصل عشرين شاقلا وأحيانا 25 وأحياناً لا شيء.
أمّا و البالغ من العمر 10 سنوات فكان يتعارك مع صبي أمامه بعمره ويهدّد ويتوعد بلغة شوراعية، إن لم تترك هذه الزبونة سأحطم جمجمتك، دخلت بينهم كي أفضّ الخلاف وأرى كيف بإمكاني أن أعيد المياه إلى مجاريها بينهما فكان غاية في السهولة، كونهم أبناء عم والخلاف فض بمجرّد أن أخرجت عشرة شواقل من محفظتي وسلمتها لأحدهم، وبدآ يسردان لي أن لا إطاراً اجتماعي يضمّهم في الرملة ولا أحد يسأل عنهم، المشغلّون يشتمونهم، إنّها مافيات تتشكل ونحن بحاجة لكل قرش واسترسل قائلاً.. قبل ثلاث سنوات جئنا من مدينة الخليل إلى الرملة وكل ليلة أسمع مشاحنات أمّي و أبي وكيف تشتمه وتهينه..وتعيّره بانه السبب وأن بعنقه دماء أبناء بلده كاملة ممّن بلَغ عنهم ..وسلّمهم، ومنهم بعض المجاهدين في سجون الاحتلال وشى بهم مقابل الحصول على امتيازات في إسرائيل، ولكن والدي أصبح مدمنأ للمخدرات وكان علي أن أعمل لأصرف على عائلتي وليس بالعتالة فقط بل بأمور أدهى وأكثر مرارة.. كالاتجار بالمخدرات أيضا بكافة أنواعها وإشكالها ومصائبها، وعرض علي بعض قطع الميرحوانا والكوكائين ليثبت لي صدق كلامه، وتابع..لقد تركت المدرسة نعم لاني لم أجد نفسي بينهم ولأني على يقين أن الشهادات لن تنفعني ولن تسدّ جوع إخوتي وأمّي.
المجتمع لا يرحم
لم يكن حال ف وهو في الثانية عشرة من عمره أفضل من سابقيه وهو من بادر بتوقيفي وقال لي نحن في إسرائيل من خمس سنوات قدمنا من قطاع غزة كنت يومها في السابعة من عمري فانخرطت بإحدى المدارس العربية الحكومية وتفوّقت ولكن قبل عام حدث شجار كبير بيني وبين أحد طلاّب المدرسة..فنعتني بابن العميل فلم أتحمل إهانته وقمت بضربه ضربا مبرحا وغادرت المدرسة لأجد نفسي في السوق أدفع تمن خطيئة لا تغتفر...لم أرتكبها، وأضاف، أبي لا يعيش معنا فقد ترك البيت ويعيش مع زانية روسية، أنا الآن رجل البيت ورجل البيت يجب أن يتحمل مصروف البيت، وتابع..إنّ ما يضايقني أنّ هناك من يقول بوجود جمعيات عربية بالبلد تهتم برعاية الأطفال الضائعين المهمّشين، ولكن لا نرى أياً منها.. ينظرون لنا كحثالات متناسين أننا ضحايا أهلنا أيضا وضحايا المجتمع، ألم يذكر التاريخ والأساطير أن كثراً من الأسر والعائلات العملية خرجت قيادات وطنية شريفة. 
توجّهت نحو المدينة..وفي البلدية طرحت مشاكل أولاد العربات فكان ردّ البلدية كالتالي: يؤسفنا وجود مثل هذه الظاهرة الآثمة بالرملة نحن نعلم ان هنالك مافيا تستغل هؤلاء الأطفال والمشكلة أن ذويهم لا يهتمون بهم وليس للأطفال عناوين ثابتة وليس بمقدورنا توقيف الأطفال واتخاذ إجراءات ضدهم لأنهم قصّر، حاولنا أن ننظم لهم مشاريع وتقديم وجبات ساخنة لهم، إلاّ أن هنالك أوساط عربية غير معنية بمساعدتهم، ولا تتعاون معنا البتّة. 
وتابع المتحدث في البلدية، نحن الآن بصدد تقديم شكاوى للشرطة ضد الأهالي الذين يمنعون أطفالهم من الذهاب للمدرسة أو يشغلونهم صبياناً، بما يتنافى وحقوق الإنسان.
 
حقوق الأطفال؟
وفي حديث مع ممثّلٍ لجمعية حقوق الأطفال قال حول تشغيل واستغلال الأطفال في المدينة: إنّ ما يحدث، لهو اختراقات فاضحة بحق الطفولة والإنسانية وتابع ليس من المفروض أن يعمل الأطفال من أجل تحصيل معيشتهم، وهم ملزمون، حتى الصف العاشر على الأقل، بالتعلم، ومن حقهم الحصول على معيشتهم من عائلاتهم.
يسمح القانون بتشغيل الأولاد فقط بالشروط التالية:
أن يكون عمرهم فوق 15 سنة، وأن يكونوا قد انهوا الصف العاشر، أو أن يكون عمرهم فوق 14 سنة وهم في فترة العطلة المدرسية.
أن يكون العمل من النوع المسموح به للأولاد (من الأعمال الممنوعة للأطفال: العمل في كسارة، في منجم، في غرفة تبريد أو في مستشفى للأمراض النفسية).
أن لا يكون العمل ليلياً (ما عدا العمل في نجمة داود الحمراء أو مصانع تغليف الحمضيّات).
أن لا يستمر العمل أكثر من ثمان ساعات يومياً ، وأكثر من أربعين ساعة في الأسبوع.
يجب دفع الحد الأدنى للأجور للأولاد (بين 14 – 18 سنة) وكذلك دفع بدل سفر وتنقلاّت.
يتراوح الحد الأدنى لأجور أبناء الشبيبة ما بين 70% - 83% من الحد الأدنى لأجور البالغين، حسب مجموعة الجيل.
وهنا بالرملة أو بصورة أدّق يتم قتل الطفل معنويا وإنسانيا بصورة تدريجية لذا ننصح بالبدء بتقديم لوائح اتهام ضد العصابة التي تسيطر وتشجع انتشار ظاهرة أولاد العجلات وأخيراً فإن أكثر من 25 طفلا تتراوح أعمارهم ما بين الثامنة والثالثة عشر، يعملون بظروف قاهرة سيئة يتذوقون الإهانات على مدار اليوم وليس هناك ثمّة جمعية عربية أهلية واحدةٍ في المدينة حاولت أن تمدّ لهم يد العون وحتى اللجنة الشعبية في الرملة ليس لها أي دور يُذكر في هذا الصدد، ولا حتى أي ناشط عربي حاول ولو مرة واحدة الأخذ بيد الأطفال هؤلاء الذين سيكون مصيرهم الإجرام فيما لو استمر التغاضي عن مأساتهم، وحتى لو كان آباء هؤلاء من العملاء المدسوسين فما ذنب الأطفال الأبرياء كي يدفعوا الضريبة بالنيابة عن ذويهم ؟ نحن فقط نسأل أين أعضاء البلدية العرب ؟؟ أين اللجنة الشعبية ؟؟ أم أنّهم فقط لجنة شكلية لا نشاط لها ولا حتى وجود...؟ .
 
وسيبقى هذا السؤال.. في ذمّة التاريخ..!! ..حتى يجد مخلصاً وغيوراً في موقع المسؤولية والقرار.. يجيب عليه.!! .

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير
الاسم الكامل :
مكان الاقامة :
التعليق :
هام جدا : أدارة الموقع لا تنشر اي تعقيب فيه تجاوز لقانون القذف والتشهير, وتقع المسؤلية على كاتب التعقيب
Copyright © almadar.co.il 2010-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع المدار الاول في الشمال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت
X أغلق
X أغلق